عاد الحديث عن التقنين الذي يطاول خدمات المولدات الكهربائية الى الواجهة في اليوميات اللبنانية.
ليس المجال هنا لسرد توقف إذاعة لبنان وغرق مبنى وزارة الإعلام بالعتمة، وقبلهما توقف سنترال المزرعة في بيروت وانقطاع خدمة الإنترنت بسبب نفاد مادة المازوت. ولن نستعرض توقف العمل في الدوائر الحكومية وفي محطات الإرسال التي تؤمن تغطية الشبكة الخليوية للمناطق اللبنانية.
التركيز اليوم على معاناة الأهالي في تأمين الطاقة الكهربائية، وهي معاناة تبدأ في توفير الكهرباء لأطول فترة ممكنة خلال ساعات النهار والليل، وتنتهي بصرخة مدوية ناجمة عن كلفة الفاتورة الشهرية لخدمات المولد، والتي تخطت الرواتب الشهرية لموظفين كبار، من ضباط وأمنيين الى مدراء عامين وموظفي الفئة الثانية وأصحاب المصالح الفردية.
وقد لجأ أصحاب المولدات الى التقنين المكثف تحقيقا للمزيد من الأرباح عبر تقليل الأكلاف الخاصة بخدمات التشغيل، وهم يدركون ان المشتركين لن يخفضوا من كميات استهلاكم، بل سيعمدون أثناء ساعات التغذية بطلب الكهرباء بالطاقة القصوى، ما يعني ارتفاع المصروف عند المستهلك، وخفض قيمة الأكلاف التشغيلية عند مقدم الخدمات أي صاحب المولد.
في منطقة الجديدة في ساحل المتن الشمالي مثلا، يعمد أحد كبار المستثمرين في خدمات المولدات الى قطع الاشتراك من الواحدة ليلا حتى الخامسة والنصف صباحا، ما يعني عمليا خروج ثلاجات البرادات عن الخدمة، وإفراغها من اللحوم وغيرها التي تحتاج الى تبريد قوي. وعكس ذلك خفض تخزين اللحوم وغيرها، واعتماد القصابين البيع بالتجزئة الخفيفة، لبضائع تستهلك يوميا من قبل الزبائن، خلافا لما كانت عليه الأمور من شراء المستهلك اللحوم شهريا بكميات وفيرة.
ونصل الى مشكلة المشكلات في امتناع عدد من ساكني الوحدات السكنية في المدن الكبرى الى دفع أكلاف الخدمات الخاصة بالمصاعد والإنارة في فناء الأبنية. وأدى ذلك الى قطع اشتراك المولد عن أبنية عدة، مع ما يعني ذلك من معاناة للسكان، وخصوصا الراغبين في الحصول على هذه الخدمات، والخاضعين بدورهم للمزاجية او الظروف القاهرة لجيرانهم.
الأزمة عنوانها المازوت والمصاريف التشغيلية، والخشية لدى أصحاب المولدات من فقدان الزبائن جراء عدم قدرة الأخيرين على تسديد قيمة الفواتير. ولجأ صاحب مولد في حي كبير في عمشيت الى تقديم عرض لمالك جديد اشترى وحدة سكنية في بناء قديم، تضمن عدم قبض الاشتراك الشهري الخاص بكمية الأمبيرات التي تحدد قدرة سحب الكهرباء، في مقابل استيفاء مصاريف ما يستهلكه المالك الجديد من كيلواط لفترة 6 أشهر.
في المحصلة الفواتير لا ترحم، لكن قساوتها تقل كثيرا عن العتمة وغياب الكهرباء في ساعات الليل والنهار، ساعات الذروة عند السكان، وقصرها على الحد الأدنى في غالبية المناطق. ولا داعي للتذكير ان مناطق جبلية عدة وخصوصا في قرى الاصطياف، تفتقد خدمات المولدات، لغياب المشتركين، ما يحمل المقيمين شتاء أكلاف اقتناء مولدات خاصة تستهلك مصاريف أكبر في مادتي المازوت والبنزين.
الحل في زيادة ساعات التغذية بالتيار الكهربائي من قبل الدولة اللبنانية: حل يؤمن التيار الكهربائي، لكن بكلفة لن تقل عن سعر خدمات المولدات الخاصة، لأن الزمن الأول تحول يوم كان سعر كيلواط كهرباء الدولة محددا بـ 150 ليرة لبنانية. في حين ان سعر كيلواط المولد تخطى الـ 7 آلاف ليرة، ولن يقل عن 4 آلاف ليرة في حال توفير كهرباء الدولة لساعات أكثر.
بين التدفئة شتاء والتبريد صيفا، ومعاناة صعود السلالم في الأبنية مع توقف المصاعد، يعاني اللبنانيون ظروفا معيشية قاسية غير مسبوقة في يومياتهم حتى في أشد أيام المحنة، عنينا زمن الحرب الأهلية.