أخبار دولية وإقليمية

ألمانيا بعد الضغط الأقصى وقبل “عضّ الأصابع” !

هادي بو شعيا – خاص الأفضل نيوز

 

“إذا كنت لا ترغب في تزويد أوكرانيا بدبابات “ليوبارد 2” فعليك أن توضح السبب”… كلمات صدحت بها رئيسة لجنة الدفاع ماري-أجنيس شتراك-تسيمرمان داخل قبًة البرلمان الألماني في وجه المستشار الألماني أولاف شولتس، بعدما بلغ الحديث عن تلك الدبابات ذروته فيما كان الجميع ينتظر القرار النهائي.

 

 

 

صحيح أنَّ مخاوف الألمان كانت ولا زالت مشروعةً في ظلِّ عدم رغبتهم في الانجرار لصراع عسكريٍّ فيما موسكو لا تكفّ عن إطلاق التهديدات، والغرب بأسره يمارس الضغط الأقصى عليهم بمعنى “عليكم أن تدعموا أوكرانيا وإلا فانتظروا الفراق (…)”.

 

 

بين النار والغضب

 

في الذكرى الستين لمعاهدة الصلح بين كلٍّ من ألمانيا وفرنسا والتي أقيمت في باريس في 22 كانون الثاني/يناير الجاري، تعهّدت الدولتان في خلال احتفالية مشتركة كبيرة، شارك فيها رئيسا البلدين ورئيسا الحكومتين وبرلمانيون وسياسيون آخرون، في جامعة السوربون المرموقة في باريس بتقديم الدعم لأوكرانيا في حربها ضدَّ روسيا، لكن ذلك التعهّد أُرفق بعبارة: “ما دام ذلك ضروريًا” ليخرجوا بذلك أنفسهم من الدعم المفتوح لكييف، خصوصًا برلين التي بدا واضحًا أنها تريد الابتعاد عن الحروب! وبدأت تدريجيًا، تتخذ خطًّا أكثر حياديّةً حاليًا، مصحوبًا بحذر وخشية من انتقال الحرب إليها بعد أوكرانيا أو ربما تتسبب بأي صدام مع روسيا.

 

 

 

فمنذ أكثر من شهر تقريبًا تتحدث ألمانيا ومعها الدول الغربية عن تقديم دبابات “ليوبارد 2” لأوكرانيا وذلك كجزء من الدعم العسكري لها لمواجهة روسيا، لكن تلك الدبابات لم تصل حتى اللحظة والسبب هو رفض ألمانيا لذلك الدعم. ذلك أنَّ برلين اشترطت في البداية على واشنطن أن تبادر بإرسال دبابات “أبرامز” لأوكرانيا ومن ثمَّ ستسلِّم من جانبها دبابات “ليوبارد 2A6″، لكن الأولى رفضت ذلك بذريعة أنَّ دبابات “أبرامز” ليست مناسبة لكييف نظرًا لكونها معقّدة جدًا وتحتاج لكميات كبيرة من الوقود؛ إلا أنَّ الحقيقة تفيد أن واشنطن لا تريد إرسالها وتبيّن مؤخرًا أن كبار قادة البنتاغون معارضون لإرسال “أبرامز” وذلك لأسباب تقنية خشية وقوعها في أيدي الروس، حيث تُعتبر من أحدث الأسلحة لديها.

 

 

 

من جهته، كان الرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي قد وجّه الانتقادات لبرلين في خلال انعقاد منتدى دافوس بأنَّ اشتراط حلفاء حلف شمال الأطلسي “الناتو” تقديم دبابات من طرف آخر ليست استراتيجية صحيحة، خصوصًا أنَّ بولندا بدورها تريد تسليمَ تلك الدبابات لأوكرانيا نظرًا لامتلاكها عددًا منها، لكن ذلك أيضًا متوقف على موافقة ألمانيا.

 

 

مخاوف سياسية ودبلوماسية وعسكرية

 

إذن ينبع تردّد برلين في تقديم تلك الدبابات لكييف بداية من سياسة التحفّظ والحذر التي تتبعها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لكنها في واقع الأمر تُعتبر خطوةً تثير قلق وحفيظة حلفائها في “الناتو” وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية. من جانب آخر، يأتي الرفض الألماني لأسباب ليست عسكريةً محضًا. إذ يخشى شولتس من تصعيد جديد في الحرب المستعرة منذ قرابة العام في حال أعطت بلاده دبابات “ليوبارد” لأوكرانيا، بالإضافة إلى مخاوف كبيرة لديه من لجوء روسيا لحركة إنتقامية، إذا جاز التعبير، تتمثل في استخدامها للسلاح النووي في الحرب. إذ يخرج بين الفينة والأخرى تهديد من موسكو بشأن الدعم العسكري لكييف. وفي حال تقديم حلف شمال الأطلسي أسلحة ثقيلة لأوكرانيا سيؤدي ذلك لحرب مروِّعة.

 

 

 

في حين يرى البعض أنَّ التردّد سببه الرئيسي نابع من أنَّ حزب المستشار الألماني يؤيد المفاوضات مع روسيا ويرمي إلى الإبقاء على خطوط مفتوحة وسالكة للحوار معها في أي وقت وأن عملية الدعم الجديدة قد تضرب تلك المصالح بالكامل.

 

 

 

ولم يعد خفيًّا على أحد أن جميع المحللين الألمان يؤكدون أن بلادهم تسعى لتجربة كل الخيارات الديبلوماسية المتاحة قبل الإقدام على مثل تلك الخطوة في الصراع الروسي-الأوكراني.

 

 

 

بيد أنَّ نهج المطالبات والالحاحات يُنذر بما هو أسوأ بكثير ،فبعد تسليم الدبابات سيطالبون بتسليم الطائرات الحربية، ومن ثم بإرسال الجنود وذلك سيتسبب حكمًا للألمان باندلاع صراع عسكريٍّ مفتوح ضد روسيا وهو ما تخشاه الأطراف السياسية كافة في الداخل الألماني في الوقت الراهن، ناهيك عن الشعب الألماني الذي يرفض الضغط الذي تتعرض له البلاد اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا. وعليه يمكن الجزم بأن قضية دبابات “ليوبارد” تتخذ أبعاداً أكثر من كونها ستقدّم لأوكرانيا فقط. إذ لدى برلين حسابات عدة قبل تسليم تلك الدبابات سواء كان ذلك من قِبَلها أو من قِبَل بولندا التي تملكها نظرًا لكون ألمانيا هي من تُصنّعها ولديها الحقُّ في اختيار الدول التي تستخدمها.

 

 

 

في السياق ذاته، ترى برلين في عملية الدعم تلك قضية معقّدة في حيادها “الشكلي” التي تقول أنها لا تزال ملتزمة به منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. على الرغم من كونها منحت كييف الكثير من الدعم العسكري منذ انطلاق الحرب وتضع حتى اليوم خطًا لعودة العلاقات مع روسيا كما أنها غير مستعدة لحرب في الوقت الراهن. إذ لا تزال تعيد بناء جيشها من جديد لتكون مستعدة لأي هجوم عليها من أيِّ دولة، يُضاف لذلك عدم استعدادها لدفع فاتورة ضخمة لأوكرانيا في ظلِّ الأزمة الاقتصادية العالمية وما عانته ألمانيا تحديدًا منذ بداية الحرب، خصوصًا بعد انخفاض تدفّق الغاز الروسي إليها والذي أدى لشلل في بعض القطاعات الصناعية التي تُعتبر عماد الاقتصاد الألماني منذ عشرات السنين.

 

 

 

من جانب آخر، ومنذ أشهر يتّضح أن برلين تريد أن تبقى الشريك المهم والاستراتيجيَّ لروسيا بما يخصُّ ملفَّ الطاقة، حيث كانت في السابق البلد الذي يمرّ عبره أغلب خطوط الغاز التي تصل لأوروبا وفي حال موافقتها على تقديم الدبابات لأوكرانيا فإنها ستخسر الكثير سياسيًا وعسكريًا، حيث ستكون من خلال هذا الدعم قد دخلت الصراع الروسي-الأوكراني بشكل رسمي وواضح، ما سيعيق أي عودة للعلاقات مع روسيا في المدى القريب.

 

 

 

سبب الإلحاح الأوكراني

 

ومن زاوية مختلفة، سيكلّفها الكثير ماديًا إذ يصل سعر الدبابة الواحدة من طراز “ليوبارد 2” إلى أكثر من عشرة ملايين دولار أميركي وبذلك تُعتبر واحدة من أغلى الدبابات في العالم. كما يكمن السبب خلف إلحاح أوكرانيا على هذه المنظومة من الدبابات أنها قليلة الأعطال والأفضل في دقة الإصابة وخفة الحركة وأثبتت قدرتها في العديد من المعارك كما أن أغلب دول حلف شمال الأطلسي تمتلك منها ما يعني سهولة إرسال الذخائر لهذه الدبابة، بالإضافة إلى أن دبابة “أبرامز M1” الأميركية تستخدم الذخيرة ذاتها، ما يمكن واشنطن إمداد كييف لتشغيل “ليوبارد 2”.

 

 

 

وبطبيعة الحال فإن الدعم لأوكرانيا لن يقتصر على دبابة أو اثنتين بل هي فاتورة ضخمة غالبًا ما ستتحملها ألمانيا لوحدها كونها تعهّدت بدعم كييف عسكريًا.

 

 

 

في المحصلة، الاجتماع الأخير أوضح أنَّ الأوروبيين متفقون على دعم أوكرانيا وأن الضغوط كبيرة للغاية على برلين لتقديم تلك الدبابات، وربما وحتى كتابة هذا المقال قد تكون ألمانيا وافقت على تسليم الدبابات لأوكرانيا. لكن المؤكد أن ألمانيا، وقبل ذلك الدعم، لن تكون كما بعده. ففي حال رفضت بشكل مستمر فإن حلف “الناتو” والتحالف الغربي لن يبقى كما في السابق، ما سيزيد الشقاق ومعه الاضطرابات خوفًا من حرب قادمة من الشرق!

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى