أخبار محلية

لبنان الدولة المتناثرة على أطراف جدوى بقائها!

هادي بو شعيا – خاص الأفضل نيوز

 

 

يمضي خطُّ الانقسام العموديّ خطواته “شبه الأخيرة” قُدمًا داخلَ مؤسّسات الدولة، ما يشكّلُ انعكاسًا تامًّا لحقيقة وواقع المجتمع اللّبناني المتصدّع والمتناثر عند أطراف التّخاذل والتّقصير والتّقاعس الممزوج بثقافة قيادة المتاهات المافيوية، خصوصًا أنّ النّهجَ السّائد لدى زعماء الطّوائف في الدولة جعلها هدفاً للمنافسة والمجابهة فقط بُغية احتكار القرار ومن ثمّ تقاسمه عند التّوافق، متى حضر، والانقضاض من جهة أخرى على مؤسّساتها الرّئيسية الرّسمية و”غير الرّسمية”!

 

 

 

باتَ جليًّا أنّ لبنان الدولة تحوّل إلى ساحة المواجهة بعدما تداعت المؤسّسات الدستوريّة فيه وتخاذلت في أكثر من منعطفٍ تاريخيّ واستحقاقٍ حيويّ على قاعدة الديمومة على مستوياتها الثّلاثة: التّنفيذيّة والتّشريعيّة والقضائيّة، الأمر الذي كرّس واقع الدويلة ضد الدويلة، بسلطات وشرعيّات مستمدّة اعتباطًا من مزاجيات قادتها المتناقضة. بمعنى أوضح أنّ المسارات الملتوية المتّبعة منذ عقودٍ في صميم الدولة بلغت حدودها الطّبيعية لما يصحّ أن يُطلقَ عليه نهش الدولة لذاتها، عبر أدواتها التي استُخدمت لنَحرِ اللبنانيين دون تمييز وإجهاض الحقّ وتبديد الحقيقة أيًّا كانت الملفّات والقضايا التي تطرقُ أبوابها حتّى بلغ الهذيان حدود الانتحار الطّوعي والمنطقي لدولة من هذا النّسيج.

 

 

 

لبنان الوطن لا زال حتّى اليوم حاضرًا فقط في وجدان رجال الدولة الذين مرّوا عبر تاريخه الحديث وربما المعاصر وهم قلّة قليلة، لكن الوطن يعاني موتًا سريريًا ما يعكسُ حالَ توقّف عجلة الدولة الرّاهنة المتهالكة والفاقدة للحراك والدّوران والنّشاط وهي مسائل ليست من مَحضِ الصّدفة بل نتاج تعطّل وفناء لم يأتِ من العدم بل هو حصاد منطقيّ وطبيعيّ، كما ذكرنا آنفًا، لمسارات معطوبة وممنهجة من التّعطيل والتّفكيك والتّسويف والتّنصّل والتّقاعس، وإساءة الأمانة والانتهاكات والمماطلات والاستهتار وتبدية المنافع الشّخصية وسواها الكثير… ما يقوّضُ أسسَ ومعاني قيام الدولة فاعلة وحاضرة.

 

 

 

أمام هذا الواقع لا بُدّ على الجميع، معنيّين وغير معنيّين الإقرار بالدّرك الذي بلغه مفهومُ الحكم السّياسي وبديهياته لصناعة القرار وإدارة شؤون الوطن. ممّا لا ريب فيه أن هذه الحال لا تستوي عند بقاء لبنان كما عهدناه، خصوصًا بعد التّعديات التي طالت الدستور وتفسيرات ودلالاته القانونيّة والحقوقيّة وأضحى يقبعُ أسيرَ تأويلات لمزاجات متقلّبة وعقيمة، ما أسهمَ في تعرية القضاء اللّبناني من خصائصه وجوهره في تحقيق العدالة.

 

 

 

تمكّن أهل السّلطة في لبنان، وكنتيجةٍ طبيعيةٍ للممارسات غير طبيعية، من نقل التّحدّي بفعل السّقوط المدوّي في سوء إدارة البلاد والتّصدّي لمشاكلها والعزف على مستوى يحاكي الواقع الوجودي والكياني لأصل فكرة بقاء دولة مشوّهة ومجرّدة من مفاهيمها العلميّة والأكاديميّة وحتّى التّطبيقيّة والعمليّة.

 

 

 

لعلّ السّؤالَ الجوهريَّ الذي يطرحُ نفسه هنا: هل من خلاصٍ للبنان بصيغته الحاليّة المقيتة لترميم أوجه التّشوّه والسّقوط الذي ينسحبُ على المستويات كافّة؟

 

 

 

السّاسةُ في لبنان، وكما جرَت العادةُ، لا يُحسِنون صنعَ أيّ شيء سوى عبر طلب المساعدات الخارجيّة التي تنطوي على تدخّلات وإملاءات واشتراطات. وهنا أيضًا نتساءلُ: هل وُضع لبنان على طريق حلِّ الأزمة السّياسيّة وتالياً السّعي لمعالجة الوضع الاقتصادي؟ المؤشّراتُ تفيدُ بأنّ الأوضاعَ الماليّة، السّياسيّة، والاقتصاديّة قد وضعت على بساطِ البحثِ من قبل عواصم ودول مهتمّة بالملفّ اللّبناني، خصوصًا مع الإعلان عن توقيع اتفاق الشّراكة في عمليّات التّنقيب عن النّفط والغاز في البلوكات اللبنانية ولا سيما البلوكين 4 و9، بالإضافة إلى إنجاز اتفاق الشّراكة بين شركة قطر للبترول وشركتي توتال الفرنسية وإيني الإيطالية، الأمر الذي يشكّل أهمّيّة بالغة وينطوي على دلالات دخول دولة خليجية إلى هذا المجال في لبنان، خصوصاً بعد القطيعة مع دول الخليج. كما يفسّر، بمعنى أو بآخر، ربّما جدّيّة المقاربات وما تحمله من تداعيات إيجابيّة على الوضعين السّياسي والاقتصادي تباعًا في وقت لاحق. ولا يأتي التّحرّك القطري من فراغ بل هو على درجة عالية من التّنسيق مع المملكة العربية السعودية ومع الولايات المتحدة الأميركية.

 

 

 

يتزامُن ذلك مع اجتماع باريس الرّباعي المقرّر عقده بين 7 و10 شباط المقبل، بحيث يهدفُ الاجتماع إلى وضع خطّة عمل سياسيّة واضحة للمسار اللّبناني عبر صوغ رؤية سياسيّة مشتركة لآليّة الحلّ للأزمة اللبنانية.

 

 

 

في هذا السّياق، تشي المعلومات أنّ الأفكار التي تتمُّ مناقشتها للوصول إلى الصّيغة المرجوّة، تنطلقُ من نقاط أساسيّة وردت في اجتماعِ وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إثر زيارة الأخير إلى الرياض، والتي شدّدت على الالتزام بالقرارات الدولية، اتفاق الطائف، وانتخاب رئيس وتشكيل حكومة يحظيان بثقة المجتمع الدولي وإنجاز إصلاحات اقتصادية. وهي النقاط ذاتها التي وردَت أيضاً في المبادرة الكويتية التي تمَّ تسليمها للبنان، ووردت في البيان الثّلاثي الذي صدرَ عن لقاء ممثّلين عن أميركا، فرنسا والسعودية في نيويورك في شهر أيلول الماضي، على هامش اجتماعات الجمعيّة العامة للأمم المتحدة.

 

 

 

على أيّ حالٍ من الأحوال، يعتبرُ تدويل القضيّة اللبنانية ونشدّد هنا على عبارة قضيّة في وقت هناك داخل لبنان من يحمل أو يتبنّى قضيّة لا بل قضايا أخرى فيما لبنان في طريقه إلى الضّياع حتّى لا نقول ما هو أسوأ، وقد يجنح آخرون نحو وجوب الإتيان بوصاية دولية. لكن ذلك كله لا يبعثُ على الطّمأنينة لانبعاث لبنان من جديد.

 

ما هو مؤكّد أنّ رغم طيف الانفراجات التي قد تلوّحُ في الأفق البعيد، سيقبع لبنان في ردهات الانتظار الموجع والمؤلم. ذلك أنّ الحاضرَ معدوم الخيارات والحلول والمستقبل يبنى فقط على قرارات آنيّة جريئة وواقعيّة تبدأ بالحوار والمصارحة والمعالجات الجذريّة وتنطلقُ منها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى