أخبار محلية

قصورُ العدلِ ليست قصورًا.. عدلية زحلة نموذج

 

في بلدٍ كانت عاصمته تسمى بأمِّ الشرائع، قصور للعدل ما عاد فيها من اسمها شيء. من اعتكاف القضاة الذي استمرَّ أشهرًا عدة للمطالبة المحقة بتحسين أوضاعهم، مرورًا بالاشتباك بين بعض القضاة في قضية التحقيق العدليِّ بملفِّ المرفأ، ثم الإشكال داخل مبنى وزارة العدل بين بعض نواب المعارضة ووزير العدل الذي تخلله “تدفيش” بين النائب وضاح الصادق وأحد القضاة، وصولًا للإضراب الذي أعلنه المساعدون القضائيون اليوم من طرابلس وعكار إلى البقاع.

 

 

في قصر عدل زحلة لا شيء يشبه القصور، يتسابق الموظفون للحديث عن أوضاعهم التي يصفونها “بالمأساوية”، لكنهم في المقابل يشترطون عدم ذكر أسمائهم خوفًا من الملاحقة التأديبية، فالموظف الآدمي “مكسر عصا” بحسب أحد الموظفين، “إذا بتحكي وبتقول جاعوا اولادي بتكون عم تهدد حسن سير الوظيفة العامة و العدالة”. بحسرة وغصة كبيرتين يخبرنا هذا الموظف أن راتبه اليوم مع المساعدات و بدل النقل لا يتجاوز ٧٠ $ بينما يصل سعر تنكة البنزين مثلا نحو ٢٠ $، ويريدون منا أن نحضر إلى عملنا ثلاثة أيام على الأقل وإلا أحالونا إلى التفتيش، “بدهن ياني اتدين لاجي عالشغل؟ واولادي عمرهن ما ياكلوا أو يلبسوا و يتعلموا؟؟

 

 

ثم يشير زميله إلى “الشوفاج” مستغربًا وجوده فهو لا يعمل أبدًا بسبب فقدان المازوت من خزانات العدلية. لا تدفئة و لا كهرباء في أغلب الوقت حتى بتنا نستعمل هاتفنا لنرى، و لا موقفَ مخصصًا للموظفين ما يعني أننا ندفع أيضا بدلا لأحد مواقف السيارات الخاصة.

 

يضيف بأنه منذ عدة أيام حاول إدخال طفله المريض إلى المشفى، غير أنَّ المستشفيات اشترطت عليه أن يدفع مبلغًا بالفريش دولار كتأمين إلزامي، إضافة إلى ٩٠$ يوميا، هذا عدا عن المبلغ الأساسي المتوجب كفرق للجهات الضامنة. قد يموت أولادنا قبل أن نؤمِّن المبلغ. كيف لنا أن نعمل في هكذا ظروف نفسية واقتصادية؟

 

 

في الطابق الثالث تشتكي إحدى الموظفات من عدم وجود الأوراق الرسمية التي تعتبر من بديهيات العمل القضائي كأوراق الهامش المخصصة لتدوين محاضر الجلسات وإشعارات التبليغ و غيرها، بتنا نشتري الأقلام والقرطاسية اللازمة من رواتبنا. أين الأموال التي نقتطعها من المواطنين لتغذي صندوق تعاضد الموظفين والقضاة؟ لماذا توقفت عائدات الصندوق للموظفين منذ فترة طويلة ولم تتوقف للقضاة، مع أنَّ الواردات والطوابع الخاصة التي تعزز أموال الصندوق زادت مؤخرًا ولم تقل؟

حتى العمال المكلفون بالتنظيف باتت رواتبهم تدفع من الموظفين أنفسهم كما يقولون كي لا يغرق “القصر” ومكاتبه بالنفايات كما حصل منذ فترة ليست بالبعيدة.

 

 

بالمقابل يقع المواطنون بين سندان الإضراب ومطرقة الحاجات الملحة.

 

يتحسر أحد المواطنين على سيارته المحجوزة منذ أشهر، بعد انتظار أشهر بسبب اعتكاف القضاة استبشرنا خيرًا بعودتهم إلى العمل، لنتفاجأ اليوم بأنَّ الموظفين قد أعلنوا الإضراب. ما ذنبي أنا وباقي المواطنين؟.

 

 

إذًا، بين عدل مفقودٍ وقصر مهجورٍ يقبع الموظفون والمواطنون تحت رحمة ما تبقى من دولة، فهل يستدرك المعنيون الأوضاع قبل تفاقمها لتعود قصور العدل المقصد الوحيد للمظلومين والمتخاصمين، أم إنها سوف تبقى قصورا يُظلم فيها القضاةُ والموظفون المعنيون بالعدل قبل غيرههم من المراجعين؟.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى