أمن وقضاء

أينَ أصبحتِ السلطةُ القضائيةُ المستقلةُ التي تحدثَ عنها الطائف؟

ربما ليس جديداً الكلامُ عن عدمِ تنفيذِ أو تطبيقِ اتفاقِ الطائفِ بكاملِ بنوده، وكذلك تحويلُ تفسيرِ النصوصِ الدستوريةِ إلى وجهةِ نظرٍ يجتهدُ في تسويقِها كلُّ فريقٍ أو طرفٍ سياسيٍّ وفقاً لما يتناسبُ مع مصالحِه ومكتسباتِه، ولعلَّ هذا الواقعَ ينطبقُ على النقاشِ الدائرِ حول صلاحياتِ حكومةِ تصريفِ الأعمالِ وخصوصاً في ظلِّ الشغورِ في منصب رئاسةِ الجمهورية ،وكذلك الأمر بالنسبةِ لجلساتِ مجلسِ النوابِ تحتَ عنوان “تشريعُ الضرورة” التي سبقَ وعُقدت، وقد تنعقدُ في وقتٍ لاحقٍ في ظلِّ الشغورِ الرئاسيِّ أو وجودِ حكومةٍ مستقيلةٍ وحكومةِ تصريفٍ للأعمال.

 

هذا النموذجُ من النقاشِ والجدلِ السياسيِّ بالدرجةِ الأولى يؤكدُ الحاجةَ الملحَّةَ لا بلِ الضروريةَ لتطبيقِ كاملِ بنودِ “الطائف”كدستور، ويَفرضُ التذكيرَ بما لم يُطبقْ بعدُ من هذا الاتفاقِ الذي أصبحَ دستوراً وميثاقاً.

 

 

 

 

 

تَتحدثُ المبادئُ العامةُ لاتفاقِ الطائف،عن نهائيةِ لبنانَ ككيان، وعروبتِه، ونظامِه الديمقراطيِّ البرلمانيّ،وأنّ الشعبَ هو مصدرُ السلطاتِ عبر َالمؤسساتِ الدستورية، ونظامِه الاقتصاديِّ الحرّ، والإنماءِ المتوازن، والعدالةِ الاجتماعية، ووحدةِ الأرضِ اللبنانية، وميثاقِ العيشِ المشترك.

 

 

 

 

 

يقولُ الرئيسُ الراحلُ حسين الحسيني (عراب الطائف) في حوارٍ صحافيّ:” هناك بنودٌ أساسيةٌ عدةٌ لم تطبقْ منِ اتفاقِ الطائف ،ومنها وضعُ قانونِ انتخابٍ جديدٍ (على أساسِ النسبيةِ مع إعادةِ تقسيمِ المحافظات)،ونقلِ السلطةِ من رئيسِ الجمهوريةِ الشخصِ إلى مجلسِ الوزراءِ المؤسسة ،وخطةِ التنميةِ الشاملةِ التي وضعها الدستورُ في مقدمتِه وفي الميثاقِ الوطنيِّ وقانونِ السلطةِ القضائيةِ المستقلةِ حيثُ يقومُ النظامُ على مبدأ الفصلِ بين السلطاتِ وتوازنِها وتعاونِها.

 

 

 

 

 

إضافةً إلى هذه البنودِ الأساسية،كان من المفروضِ تشكيلُ الهيئةِ الوطنيةِ لإلغاءِ الطائفيةِ السياسيةِ التي تضعُ خطةَ عملٍ لإلغاءِ الطائفيةِ السياسية،ومن ثمَّ وضع قانونِ انتخابٍ على أساسٍ غير ِطائفيّ، وفي ضوءِ ذلك يَنشأ مجلسُ الشيوخِ الذي تتمثلُ فيه العائلاتُ الروحيةُ (الطائفية) وتنحصرُ صلاحياتُه في بحثِ القضايا المصيرية.

 

 

 

 

 

وبما أنَّ الكثيرَ من القوى السياسيةِ وربما كلَّها تُزايدُ على بعضِها البعض في حمايةِ الطائفِ والدستور ،وضرورة تطبيقه،فحريٌّ بهذه القوى العملُ بكلِّ جديةٍ من أجلِ إقرارِ قانونِ السلطةِ القضائيةِ المستقلةِ الذي قد يُساهمُ في وضعِ حدٍّ لكثيرٍ من الإشكالياتِ التي تُعاني منها البلاد ،وخصوصاً من الصراعِ والمواجهةِ الأخيرةِ التي طفتْ على السطحِ داخل الجسمِ القضائيّ ،وكذلك من الملفاتِ العالقةِ والاتهاماتِ المتبادلةِ للقضاءِ بالتسييسِ حسب كلِّ ملفٍّ وكلِّ جهةٍ سياسيةٍ معنيةٍ بهذا الملفِّ إن كانت مع أو ضدَّ الإجراءاتِ القضائية.

 

 

 

 

 

وللتذكيرِ فإنَّ اقتراحَ القانونِ المتعلقِ بالسلطةِ القضائيةِ المستقلةِ كان تقدمَ إلى مجلسِ النوابِ عام 1997موقعًا من كلٍّ من الرؤساء حسين الحسيني ،سليم الحص،عمر كرامي والنواب محمد يوسف بيضون ونسيب لحود وبطرس حرب الذين كانوا يُشكلون حينها “اللقاءَ الوطنيّ” النيابي، ثم تقدم اقتراحٌ آخر عام 2018 بعدَ ورشةِ عملٍ نظمتها “المفكرةُ القانونية” في مجلسِ النوابِ، وكان خلاصةَ هذه الورشة وتمَّ تبنيه من قبل عددٍ من النواب ِوفي مقدمهم أسامة سعد وبولا يعقوبيان.

 

 

 

 

 

وبعد هذه الورشةِ عادَ وتبنى النائبُ الراحلُ مصطفى الحسيني عام 2018 الاقتراحَ الذي سبقَ وتقدمَ به شقيقُه الرئيس حسين الحسيني وزملاؤه عام 97 ،وانطلقت مسيرةُ النقاشِ الجديِّ لأول مرةٍ في البرلمانِ لهذا القانون الحيويّ.

 

وبعد صولاتٍ وجولاتٍ وتشكيلِ لجنةٍ فرعيةٍ من قِبلِ لجنةِ الإدارةِ والعدلِ لدراسةِ وإنجازِ هذا القانونِ الذي وصلَ إلى الهيئة العامَّةِ لمجلسِ النواب في الجلسةِ التي انعقدت في شهرِ شباط من العام 2022 في قصر الأونيسكو حيث طلبَ حينَها وزيرُ العدلِ في حكومةِ تصريفِ الأعمالِ سَحْبَ الاقتراحِ بحجةِ أنه لم يطلعْ على صيغتِه النهائيةِ وكذلك الأمر بالنسبة لمجلسِ القضاءِ الأعلى ،وتعهدَ بأن يأتي بملاحظاتِه خلالَ شهر.

 

 

 

 

 

لكنَّ وزيرَ العدلِ لم يرسلْ ملاحظاتِه إلى مجلسِ النوابِ إلا منذُ حوالي شهرين تقريباً، وساهمَ بمزيدٍ من التأخيرِ لولادةِ هذا القانون.

 

 

 

 

 

ووفقَ ما هو متوفرٌ من معلومات،فإنَّ المشكلةَ الأساسيةَ التي ربما لا يتجرأُ أحدٌ من القوى السياسيةِ على الإفصاحِ عنها رغمَ الاجتماعاتِ التي تُخصِّصُها لجنةُ الإدارةِ لهذا الاقتراحِ، هي الخلافُ على آليةِ انتخابِ أو تعيينِ أعضاءِ مجلسِ القضاءِ الأعلى والطريقةِ التي يُمكنُ أن تحمي التركيبةَ الطائفيةَ لهذا المجلس ،وبالتالي كيفيةِ تسليم السلطةِ السياسية بتحرير السلطةِ القضائيةِ والقضاةِ من سيطرتِها وسطوتِها.

 

 

 

 

 

هذا نموذجٌ عمَّا يَكمنُ في كواليسِ السلطةِ التي تَحولُ دونَ تطبيقِ البنودِ الإصلاحيةِ الأساسيةِ في دستورِ الطائف، وهو دليلٌ جديدٌ على أنَّ العلةَ ليست في النصوصِ وإنما في السلطةِ نفسِها التي تُحاولُ الالتفافَ على هذه النصوصِ وعدم احترامِها.

 

للحديث تتمة..

أكرم حمدان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى