انتشرت في الآونةِ الأخيرةِ ظاهرةُ زيوتِ السّياراتِ المغشوشة في الأسواق. ورغم أنّ هذه المشكلة ليست جديدةً، إلا أنّها تشهدُ رواجاً أكبرَ اليومَ في ظلّ الأزمةِ الإقتصاديّة والمعيشيّة حيث يعمَد بعض التّجار إلى تقليد علبة الزّيت الأصلي وتعبئتها بزيتٍ مغشوشٍ بهدف الرّبح المادي.
“النّاس عم تاكل بعضها”، فهؤلاءِ التّجارَ لا يأبهون للضّرر الذي ينتج عن فعلتهم. وعدا عن الخطر الذي قد يتعرّضُ له المواطنُ نتيجةَ وقوعِه ضحيّةَ هذا الغشّ، فإنّه عاجلاً أم آجلاً سيخسرُ سيارته نتيجة عطلٍ مفاجئ في المحرّك أو بسبب مشاكلٍ أخرى تُكلّفه الكثير في هذا الوضع، وقد يختار البقاء من دون سيارةٍ عِوضاً عن تكبّد تكلفة تصليحها.
وهذا ما حصل مع سامي، الذي يروي لـ”الأفضل نيوز” مُعاناتَه، قائلاً: “تفاجأتُ بتعطّل محرّك سيارتي التي أعملُ عليها كسائقِ أجرة لتأمين حاجاتِ العائلة، وما إن سارعتُ إلى الكاراج للكشفِ على السّيارة حتّى قيل لي إنّ السّبب هو عطلٌ فنّي في المحرّك”.
ويُضيفُ: “تبيّن مع الميكانيكي الذي عاين السيارة أنّ العطل نتج عن شوائب في الزيت وفقدانه اللزوجةَ وترسّب أشياء عالقة، شارحاً لي أنّ الزيت الذي وُضع في السيارة كان غير مطابق ومغشوشاً”.
يسعى بعض التّجار للغشّ بهدف الرّبح، فيقومون بتجميعِ زيوتِ السّيارات المُستعملة من محطّات وقودٍ وكاراجات ليُعيدوا تدويرها وخلطها بموادٍ أخرى أو زيتٍ آخر حتّى تبدو مثل الزيت الأصلي، كما كشف بشير لموقعنا، وهو ميكانيكي صاحب كاراج في بيروت.
ويقول: “البعض يعمدون على تعبئة زيوت مضروبة أو زيوت ذات كفاءة منخفضة، ويبيعونها في الأسواق على أساس أنّها زيوتٌ لماركاتٍ عالميّةٍ معروفةٍ وبنفس سعرها أيضاً، ممّا يؤدّي إلى مشاكل وخيمة في السيارة وصولاً إلى تخريب محرّكها. وهناك من يقوم باستيراد زيوتٍ مجهولة لم تخضع للفحص”.
ويُضيف بشير: “أصادف مواطنينَ يبحثونَ عن زيوتٍ ثمنها أرخص من غيرها، وهناك زبائن يطلبون منّي وضع زيت أرخص بهدف التّوفير ولكن لم أرضَ يوماً بذلك تفادياً لحدوثِ مشاكل في السيارات. أنا لا اُشكّل في أنواع الزيوت التي أُقدّمها للزبائن وأؤمّن الزيت من الشّركة أي من مصدره الأساس ولا أشتريه من الموزّعين”، مُشدّداً على أنّ الزيت هو من أهمّ الأمور التي توضع في السيارة وأساسي ويجب الإنتباه إليه والحرص على جودته.
أمّا في ما يتعلّق بالأضرار التي يُسبّبها الزيت المغشوش، فأخطرها ضرب المُحرّك بسبب تآكل بعض مكوّناته وجعلها عرضةً للصدأ، وكأنّه لم يتمّ تغيير الزيت في السيارة!
هنا يشرح مروان، وهو ميكانيكي آخر التقاه موقعنا ولديه كاراج في منطقة الزوق، أنّ الزيت غير المطابق والمغشوش يُسبّب مشاكل كبيرة في السيارة لعلّ أخطرها تسكير مجاري الزيت. ويقول: “ما بزيّت مزبوط، وكأنّ الزيت وُضع شكليًّا فقط ولكن في الحقيقة السّيارة تكون من دون زيت”.
ويكشف لـ”الأفضل نيوز”: “صادفنا تجاراً كانوا يشترون الزيت المحروق منّا بحجّة استخدامه في معاملهم، ولكن يتبيّن لاحقاً أنّهم يُعيدون تكريرَه لاستخدامه من جديد كزيت للسيارات ويبيعونه بثمن الزيت الأصلي. وعدد كبير من هؤلاء كان في منطقة الشّمال”، لافتاً إلى أنّ “المشكلة الأكبر أنّ هؤلاء يستعملون غالونات تعود لماركاتٍ معروفةٍ ولكن يضعون فيها زيتاً مغشوشاً، ويبيعونه في الأسواق”.
أمّا عن كيفيّة التّفريق بين الزيت الأصلي المطابق والزيت المغشوش، فيقول مروان: “عندما يكون الزيت مختوماً لا يمكن تمييز الجودة”، لافتاً إلى أنّ فحص الزيت يُصبح ممكناً بعد فتح العلبة وهنا يتبيّن ما إذا كان مغشوشاً أم لا. وهناك طرق عدّة لفحصه إذ يُمكن وضع الزيت على اليد وبعد الفرك “لازم يضلّ يدبّق ويضلّ في زيت”، ولكن هناك نوعيات يختفي فيها الزيت وكأنّك وضعت مرهماً على يدك واختفى بسرعة! وهذا يؤكّد أنّ الزيت مغشوش. هناك طرق عدّة أخرى، ولكن هذه الطريقة هي الأسرع والأسهل.
من جهته، يُشير عضو نقابة أصحاب محطّات المحروقات ورئيس مجموعة “بركس بتروليوم” د. جورج البركس إلى أنّ “موضوع زيوت السّيارات المغشوشة قديم وليس جديداً وينشط منذ سنوات، خصوصاً للماركات العالميّة المعروفة، تُقلَّد هذه الزيوت باستخدام نوعيّة أخرى أقلّ جودة من الزيت الأصلي. وهذا يحصل أيضاً في مختلف السّلع الأخرى مثل الكحول والعطور. في الفترة الأخيرة، نشط بيع الزيوت المزوّرة بشكلٍ أكبر بسبب الأزمة المالية والاقتصادية والمعيشية والتّراجع الرّقابي من قبل السّلطات المعنيّة المنشغلة بأمور البلد”.
ويُضيف في حديث لـ”الأفضل نيوز”: “قد يكون من الصّعب جدًّا على صاحب محطّة الوقود التّفريق بين ما إذا كان الزيت الذي يشتريه أصليًّا أم مغشوشاً، وهو ضحيّة في هذا الموضوع، يشتري كمية معيّنة على أساس أنّها تعود لماركة معروفة وجيّدة، ولكن يتبيّن لاحقاً أنّ الزيت مغشوش. الـpackage يكون مقلّداً بطريقة قريبة جدًّا من الأصلي”.
ما الذي يُمكن فعلُه لتفادي الغشّ التّجاري؟ يرى البركس أنّ “المشتري، صاحب المحطّة أو الميكانيكي، يجب أن يتأكّد من أنّ الزيت الذي يحصل عليه هو من الوكيل مباشرةً أو من موزّعٍ مُعتمد من هذا الوكيل ولديه مستندات تؤكّد ذلك”، مشدّداً على أنّ مراكز بيع الزيوت المغشوشة منتشرة في كلّ المناطق وتقع المحطّة ضحية، فما من صاحب محطة يشتري زيتاً مغشوشاً ويبيعه للزبون على إدراكٍ منه بالغشّ.
ويُضيف: “هناك دور أيضاً على الشركات المستوردة للزيوت العالميّة من ناحية تطوير وسائل الحماية على علب الزيت للتفريق بين الأساسيّة والمغشوشة لكي تصعّب تقليدها، كما يجب أن تُعمّم على الرأي العام والزبائن كيفيّة التّفريق بين الزيوت المزوّرة والأساسيّة لتُساهم في التّوعيةولتضمن أيضاً سلامة بضائعها ومبيعاتها.
وبعد انتشار هذه المشكلة، أفادت معلومات لـ”الأفضل نيوز” أنّ وزارة الاقتصاد قامت بجولة على بعض مراكز بيع زيوت السيارات وبدأت بأخذ عيّنات، وتبيّن وجود مشكلة في عيّنة واحدة بعد فحصها ولكن الأولوية الآن للأمن الغذائي وموضوع المولّدات والغشّ الحاصل في هذه الملفّات، ولكن الحملة على زيوتِ السّيارات المغشوشة ستُستكمل ولن تتوقّف.
كريستال النوّار – خاصّ الأفضل نيوز