أخبار محلية

عبوَاتٌ مفخَّخةٌ من الألبانِ والأجبانِ تجتاحُ الأسواقَ اللُّبنانيَّة.. والمزارعون يرفعون الصَّوتَ… فهل مِن مُجيبٍ؟!

لم ينتظرِ المزارعون في البقاع انتهاءَ العاصفةِ الثَّلجيَّة الأخيرة؛ لرفع الصَّوت عاليًا بوجه مصانعِ الألبان والأجبان ومشتقَّاتِ الحليب الَّتي اتَّهمها رئيسُ تجمُّع مزارعي وفلّاحي البقاع إبراهيم التّرشيشي بالتَّزوير واحتوائها على موادّ غير صحيَّةٍ تُطرَح في الأسواق اللُّبنانيَّة دون حسيبٍ أو رقيب.

 

 

 

 

 

الأفضل نيوز تواصلت مع التَّرشيشي، الَّذي أوضح لموقعنا أنَّ “الصَّرخةَ ارتفعت في هذا الوقت بالتَّحديد بسبب تعويمِ السُّوقِ اللُّبنانيَّة بمنتجاتٍ لم تعُد تُصنَع من الحليب البودرة الَّذي خفَّ استيرادُه، أو من الحليب الطّازج لغلاء سعره، فبدأت بعضُ المصانع تُدخِل في تركيبته الموادَّ الكيمائيَّة والحافظة بكميّاتٍ كبيرةٍ، بالإضافة إلى الزُّيوت المهدرجة وغير المهدرجة والنَّشاء. وهذا من شأنه أن يشكِّلَ اعتداءً على المُزارع اللُّبنانيّ في حقوقه ومهنته من خلال التَّزوير في تركيبة المنتج، والغشِّ في Label، والإساءة إلى سُمعة المنتج اللُّبنانيِّ”.

 

 

 

 

 

ولفتَ التَّرشيشي إلى أنّ “المشكلةَ اليوم باتت تطالُ المزارعين الصِّغارَ أكثرَ من غيرهم؛ لأنَّهم لا يستطيعون استكمالَ العمل في هذا القطاع في ظلِّ الغلاء والمضاربة والتَّهريب الحاصل، في الوقت الَّذي لا تزال التَّعويضاتُ، التي فقَدت قيمتَها اليوم، رهينةً منذ سنواتٍ لدى وزارة الاقتصاد”.

 

 

 

 

 

وردًا على سؤالنا حول تأثير التَّراخيص الجديدةِ التي منحتها وزارةُ الصِّناعة لمعامل إنتاج الألبان والأجبان، فقال: “الوزارةُ أعطت التَّراخيصَ عن حُسن نيّة، لكن يجب أن تُستتبَعَ هذه الخطوةُ بحملاتِ كشفٍ تطالُ المحالَ التِّجاريَّةَ لفحصها والتَّأكُّد منها، لذا نُطالبُ الأجهزةَ الأمنيَّةَ، الِّتي باتَت على علمٍ بأسماء المصانع المزوِّرة، أن تتَّخذَ الإجراءاتِ المناسبةَ بحقِّ المخالفين وبطريقةٍ صارمة”.

 

 

 

 

 

وناشدَ التَّرشيشي عبر موقعنا وزراءَ الصِّناعة والزِّراعة والاقتصاد وحمايةَ المستهلك لاستكمال حملتهم على معامل الألبان والأجبان غير المرخَّصة؛ الَّتي تقوم بتصنيع الموت للّبنانيّين من خلال منتجاتٍ غير صحيَّةٍ، ولا تستوفي أيًّا من الشُّروط الصِّحِّيَّة والغذائيَّة وإقفالها؛ لما في ذلك من ضررٍ على صحَّة اللُّبنانيِّين الَّذين يستهلكون سمومًا جرَّاء هذا التَّزوير”.

 

 

 

 

 

وفي السِّياق، يؤكِّد أصحابُ المزارِع المعاناةَ الكبيرةَ، والأذى الَّذي لحقَ بهم ننيجةَ الوضع الاقتصاديّ السَّيِّئ، ونفوقِ المواشي، وارتفاعِ كلفة الأعلاف الخاصَّة بالمواشي، إذ يبلغُ الطنُّ الواحدُ نحو ٤٠٠$، في مقابل ٥٨ سنتًا لكيلو الحليب الواحد، وهذا يشكِّل تحدِّيًّا كبيرًا للمزارعين للاستمرار، إذ وقع العديدُ منهم ضحيَّة الوضع الرّاهن، فباعَ العشراتُ منهم مزارعَهم دون أن يمتلكوا خيارًا آخر.

 

 

 

 

 

أمّا عن فحصِ الحليب فيقول توفيق الكردي وهو صاحب أحد المعامل: “إنَّ الحليبَ يخضع لفحصٍ يوميٍّ من المعامل؛ لتفادي وجود الماء والأدوية وضمان جودته”. وعن الموادّ الحافظة، فيشير إلى أنّ “الكمّيَّةَ المسموح بها لا تتجاوز ١ إلى ١،٥ غرامات منها لكلّ ١٠٠ كيلو للتَّخفيف من الحموضة وإطالة تاريخ الصَّلاحيَّة، أمَّا النّشاء فيضاف لتكثيف المنتج وحفظ الماء وتخفيضه”.

 

 

 

 

 

وعن تأثير ذلك على صحّة الأطفال سألنا الأستاذ الجامعيَّ والاختصاصيّ في علوم وسلامة الغذاء د.علاء أبو ديب، الَّذي فرَّق بين الحليب البودرة بنوعَيْه العادي وحليب الرُّضع الَّذي يُصنَع مدعَّمًا بالفيتامينات والمعادن (١٣٪ مواد صلبة و٨٧٪ مياه)، مشيرًا إلى أنَّه “لا خطورةَ في ذلك، حتَّى لو استُخدِم الحليبُ البودرة في تصنيع الألبان والأجبان؛ لأنَّه حليبٌ طبيعيّ، ولكنَّ المشكلةَ في الغشِّ الغذائيِّ من خلال إضافةِ النَّشاء والمركَّبات الأخرى”.

 

 

 

 

 

وأشار لموقعنا إلى أنَّ “المستهلكَ في الغالب لا يقرأ الملصقَ المرفقَ بالعبوَّة، فالمصنِّع لا يكذب، إذ تقوم بعضُ المعامل بكتابة “مزيج حليب مع بعض الزُّيوت كزيت النَّخيل، الّذي هو محطّ أخذٍ وردٍّ حول استخداماته، وخصوصًا في مشتقات الحليب، هذا بالإضافة إلى أنَّ الموادَّ الحافظةَ والمضادَّاتِ الحيويَّة، التي توضع حفاظًا على صلاحيّة المنتج تؤثّر على مقاومة البكتيريا الموجودة في الجسم”.

 

 

 

 

 

وعن إمكان معرفةِ المنتج غير الموافي للشُّروط الصِّحِّيَّة، قال الدّكتور أبو ديب: “ليس من السَّهل معرفة المنتج الجيِّد من سواه؛ لأنَّ الموادّ الحافظةَ والمضادّاتِ الحيويَّةَ لا تتركُ أثرًا لناحية المذاق ولا الرَّائحة ولا اللّون. لكنَّ سعرَ المنتج هو مؤشِّرٌ بدائيٌّ على جودة المنتج من عدمه”، محذِّرًا من شراء اللَّبن بالعبوات غير المرمَّز إلى مصانع (الفلت)؛ لأنَّه من الصَّعب للمستهلك أن يعرف تاريخ الإنتاج والصَّلاحيَّة ومن هي الجهات المولجة في عمليّة المراجعة”.

 

 

 

 

 

“المسؤوليَّةُ تقع بالدّرجة الأولى على الدَّولة لتكثيف حملاتها الرّقابيَّة، بحسب أبو ديب، ولكنَّها تتحمَّلها إلى جانب المزارع الَّذي قد يلجأ إلى بيع الحليب الَّذي يحتوي على أدويةٍ ومضادّاتٍ حيويَّةٍ نتيجة مرض بعض المواشي، فتقوم بعض المعامل بتصنيعه على شكل أجبانٍ غير مطابقةٍ ولا صالحةٍ للاستخدام البشريّ، فالمواد الحافظة والأدوية لا تموت بالغليان؛ لأنها ليست كائناتٍ حيَّة”.

 

 

 

 

 

وشدَّد المتخصِّصُ في علوم وسلامة الغذاء د.علاء أبو ديب، على أنَّ الخطورةَ لا تكمن فقط في تركيبة المنتج، إنَّما في التَّعليب، إذ ثمَّة أنواعٌ من البلاستيك غيرُ صالحةٍ للاستخدامات المتعدِّة في المنزل أو في المعامل التي باتت اليوم تطلب العبوّات الفارغة المستخدمة مسبقًا لإعادة استخدامها ثانيةً بسبب الغلاء، وهذه العبوّات قد تنقل مع الوقت موادّ مسرطنةً إلى المنتج”. وينصح الدّكتور أبو ديب المستهلك بتفريغ المنتج من العبوّة إلى عبوّات مخصَّصة للاستخدامات المتعدِّدة أو داخل عبوّاتٍ زجاجيّة.

 

 

 

 

 

الأزماتُ في لبنانَ لا تأتي فرادى، فها هي اليوم لم تستثنِ المزارعين ولا عامَّة النّاس، ولكنّ العجيبَ أن يصبحَ هؤلاء ضحايا غشٍّ وتزويرٍ حتَّى في لقمة عيشهم الّتي يدفعون ثمنها بعرقهم،فتغدو عبواتُ اللَّبنة والجبنة مفخّخةً وفضيحةَ الفضائح، في بلدٍ يأمل شعبُه أن ينعمَ بالأمن الغذائيّ والصِّحِّيِّ قبل الأمنيِّ..!.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى