صحة

فضيحةُ الأدوية: تزويرٌ وتهريبٌ بالجملة والمفرَّق والبيع أونلاين…!

ظاهرةٌ جديدةٌ باتت اليومَ تهدِّدُ جدِّيًّا الأمنَ الصِّحِّيَّ والدَّوائيَّ للمواطن في لبنان؛ بعد أن عصَف الانهيارُ الاقتصاديُّ بكلِّ شيءٍ. فأزمةُ الدَّواء لا تزال الشُّغلَ الشَّاغلَ للٌُبنانيِّين بعد هجرةِ شركات الأدوية الأجنبيَّة، ونشاطِ حركة التُّهريب والتَّزوير، وبيعِ الأدوية “أونلاين” وخارج الصَّيدليَّات في السُّوقِ السَّوداء، والحديثِ في الأوساط عن إمكان دولرةِ الفاتورة الدَّوائيَّة.

 

 

ملفُّ الدَّواءِ لم يتعثَّر بالانهيارِ الاقتصاديّ، ورفعِ الدَّعم عن بعضِ الأدوية، وغياب الميزانيَّة الحكوميَّة لتغطية النَّفقات الصِّحِّيَّة فحسب، بل تجاوزَها إلى الاحتكار وجشعِ التُّجَّار، وانقطاع الأدوية من الصَّيدليَّات، الأمرُ الَّذي استغلَّته فئةٌ تعيشُ على أوجاع النَّاس، فخلقت سوقًا موازيةً تبيع الدَّواءَ بأسعار السُّوق السَّوداء من خلال بعضِ الأفرادِ الجوَّالين أو في المحالّ التِّجاريَّة، وعن طريقِ العرضِ والطَّلب عبر مواقع التَّواصل الاجتماعيّ والواتساب ودون رقابةٍ للبائع أو الشَّاري.

 

 

في هذا الإطار، يشيرُ مصدرٌ طبِّيٌ لموقع الأفضل نيوز إلى أنَّ الأسبابَ الكامنةَ خلفَ تفاقم هذه الأزمةِ هي التَّهريبُ الذي يتمُّ عن طريق الحدود المتفلّتةِ بواسطة تجَّارٍ متخصِّصين لهذا الغرض، يشكِّلون شبكاتٍ منظمةً ومافياتٍ خطيرةً، ويستغلُّون حاجةَ النَّاس للأدوية؛ فيعمدون إلى شراءِ عدَّة علبٍ لأدويةٍ مقطوعةٍ من الصَّيدليَّات اللُّبنانيَّة أو غير مدعومةٍ، ثمَّ يقومون بالتَّرويج لها وبيعها في السُّوق السَّوداء بأضعاف سعرها الأصليّ أو بأسعارٍ أقلَّ من تسعيرةِ وزارة الصِّحَّة دون رقابةٍ من سُلطات تلك البلاد؛ لأنَّ السُّوقَ متفلِّتةٌ، والمصدرُ يدرك تمامًا حاجةَ السُّوقِ اللُّبنانيَّة إلى تلك الأدوية.

 

 

في هذا الصَّدد، يؤكِّد الطَّبيبُ المتخصِّصُ في علاجِ الأمراضِ السَّرطانيَّة حسين صادق لموقعنا أنَّ شُحَّ الأدوية أو انقطاعَها، ومنها أدوية السَّرطان التي تصلُ أسعارُ بعضِها إلى ٤ آلاف دولار، يفتح البابَ على مِصراعيه لشرائها أو تهريبها عن طريق شبكاتٍ أو أفرادٍ من خارج لبنان وإليه، دون رقابةِ وزارة الصِّحَّة للبلد المصدِّرِ والمستقبِل لهذه الأدوية، ممَّا يشيرُ إلى الإخفاقِ في الرّقابةِ الذّاتيةِ للدُّول على أدويتها المدعومة حكوميًا لمواطنيها، وهذا ما يعزِّزُ فرضيٌَةَ أن تكونَ أدويةً مغشوشةً وغيرَ صافيةٍ (معوكرة)، حيث يقوم المهرّبون ومافياتُ بيعِ الأدويةِ بوضعِ الـLabel الَّذي يريدونه على العبواتِ لإقناعِ المرضى بصلاحيّتِها مستغلين حاجتهم إليها.

 

 

ويُضيفُ صادق: “في ظلِّ عدم توفُّرِ الميزانيَّةِ الكافيةِ لوزارة الصِّحَّةِ اللُّبنانيَّة لدعم أدوية الأمراضِ المزمنة، وأدوية السَّرطان التي كانت تقدَّرُ سابقًا بـ١٠٠ مليون دولار ومع غياب الاعتمادات، بات عددٌ كبيرٌ من المرضى غيرَ قادرٍ على أخذِ علاجه، في الوقت الذي يلجأ آخرون إلى شرائه من مصادرَ غير معروفةٍ، ونقله إلى لبنانَ في ظروفٍ غير صحيَّةٍ لناحية تبريده وتخزينه والحرارة اللَّازمة لنقله ضمن الأصول، وخصوصًا الحُقن منه، في ظلِّ غياب الفحص المخبريِّ في لبنان وصعوبةِ معرفةِ الغشِّ في المحلول العقاريّ، وهنا كلُّ المضاعفات واردةُ الحصولِ في جسم المريض”.

 

 

ويرى مطَّلعون على ملفِّ الأدوية أنَّ الحلَّ السِّيِّئ للتَّهريب في الوضع الحاليِّ قد يكون في رفع الدَّعم كلِّيًّا عن الأدوية مقابلَ تحويل أموال الدَّعم إلى صناديق الجهات الضَّامنة؛ لأنَّ نظامَ التَّتبُّع الَّذي وضعته الوزارةُ لم يقضِ على التَّهريب بشكلٍ نهائيٍّ؛ وإن كان قد منحَ فرصًا لحصول ما يقاربُ الـ٧٠٪ من مرضى السَّرطانِ على علاجهم.

 

 

اقتراحُ رفع الدَّعم عن الأدوية سيعيدُ المواطنين، بحسبِ المصدر، إلى نقطةِ الصِّفر؛ لأنَّ غلاءَها هو أحدُ أهمِّ الأسبابِ الدّافعةِ إلى الإقبال على شراء أدويةٍ مهرّبة، ومنها أدوية السّرطان التي باتت تشكّلُ عبئًا على المرضى، ليتبيَّن أنَّ عددًا منهم وقعَ في فخِّ المافياتِ التي تبيعُ تلك الأدويةِ المزوَّرةِ والتي رَصَدتها بعضُ المستشفياتِ آخذةً خطواتٍ احترازيّةً تميلُ إلى رفضِ العلاجِ بالأدويةِ التي بحوزةِ المرضى لما يُحمّلها من مسؤوليّة.

 

 

ولفتَ نقيبُ الصَّيادلة في لبنانَ جو سلُّوم في حديثٍ للأفضل نيوز إلى أنَّ “الحكومةَ كانت ترصدُ ميزانيَّةً تُقدَّرُ بـ١٠٠ مليون دولارٍ لدعمِ بعضِ الأدوية، أمَّا اليوم، فالميزانيَّةُ باتت تتراوحُ بين ٢٥ و٣٠ مليون دولارٍ لتغطيةِ الكثير من الأدوية المزمنة، منها ٨٠٪ لأدوية السَّرطان الَّتي لا تكفي لنصفِ عددِ المرضى البالغِ ٣٠ ألف مريضٍ يستفيدون منها في لبنان، لذا، فإنَّ المهرِّبين يقومون لاحقًا بتهريبها إلى دولٍ مجاورةٍ ليُباع بعضها بـ٢٠ دولارًا، بالتَّزامن مع اعتمادِ بعض المستودعاتِ سياسةَ الاحتكارِ والتَّخزين”.

 

 

ويؤكّدُ سلّوم أنَّ “قطاعَ الأدوية في لبنانَ يحتاجُ من ٥٠ إلى ٦٠ مليون دولارٍ شهريًا، لذا، فإنَّنا أمام فقدانٍ تبلغ نسبتُه من ٥٠ إلى ٦٠٪ من الأدوية المدعومة. أمَّا الأدويةُ غيرُ المدعومة، فالفقدانُ يعود إلى التَّفاوت في أسعارِ صرفِ الدُّولار غير الثَّابت، ما يدفعُ الشَّركاتِ المسوردةَ إلى عدمِ الاستيرادِ أو التَّسليمِ لتجنُّب الخسارة مع ما يسبِّبُ ذلك من مشكلاتٍ تجعل الأسواقَ -الصِّحِّيَّة- فارغةً من الأدوية”.

 

 

وحذَّرَ نقيبُ الصَّيادلةِ “من مغبَّةِ الانهيار الذي يضربُ القطاعَ الصِّحِّيّ؛ لأنَّ القطاعَ الدَّوائيَّ بات بخطرٍ، وصحَّةُ المريض بخطر”، داعيًا الاتِّحادَ العمّاليَّ العامَّ الذي ينفِّذ إضرابًا تحذيريًّا اليوم في ١٦ شباط إلى الإضراب المفتوح، فالتَّحرُّكاتُ الآنيَّةُ والحلولُ التَّرقيعيَّةُ لا تُجدي نفعًا”، مؤكِّدًا أنَّ وزيرَ الصِّحَّةِ فراس الأبيض لا يألو جهدًا لمعالجة الأمرِ والسَّيطرةِ على التَّفلُّت، ولكنّ ذلك يتطلَّبُ وضعَ خططٍ إنقاذيَّةٍ، وانتظامَ العمل التَّشريعيِّ والدُّستوريِّ، والدَّعوةَ إلى مؤتمرٍ للمانحين بشأن الأدوية، وعَقْدَ اجتماعاتٍ مستمرَّةٍ وتفعيلَ دورِ الرقابةِ ومحاسبةَ المهرِّبين”.

 

 

وعن دولرةِ الأدوية، يُشيرُ سلُّوم “إلى خطورةِ ذلك، فمثلُ هذه المطالبات، إن حصلت، فإنَّها ستحجُبُ الدَّواءَ عن آلافِ المرضى”، متحدِّثًا عن “انخفاضٍ في بيعِ الأدويةِ وصل إلى ٥٠٪، وهذا يعود إلى أمرين: إحجامِ المرضى عن شراءِ أدويتهم وعدمِ القدرةِ على الشَّراء، أو فقدانها من الصَّيدليَّات”.

 

 

إنَّ الحديثَ عن الدَّولرةِ الشَّاملةِ قد يأخذُ القطاعَ الصِّحِّيَّ إلى مهوارِ الأزمة أكثر، وإن كان مستبعدًا في الوقت الحاليّ، لأنَّه يحتاجُ إلى قرارٍ من وزير الصِّحَّة بتغطيةٍ من الحكومة، والأخطرُ من كلِّ ذلك هو انتشارُ مافياتِ الأدويةِ والتِّجارةِ غير الشَّرعيَّة للأدوية بما يحملُ ذلك من خطر التَّبديل والتَّزوير والإتجار بصحَّة المواطن في ظلِّ غيابٍ رسميٍّ عن مثل هذه المخالفاتِ التي حذَّرت منها منظّمةُ الصِّحَّةِ العالميِّة منذ شهرين، فهل يتبقَّى للُّبنانيِّين أملٌ، ولو ضئيلٌ، لمحاسبة المتاجرين بأمنهم الصِّحِّي أو أنَّ هذه الرؤوسَ تحميها جهاتٌ نافذةٌ في شبه الدَّولةِ الَّتي نعيشُ في كنفِها؟.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى