لم يكن مستغرَباً أن يَظهر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في الذكرى الأولى لانطلاق الحرب في أوكرانيا، بهيئة المنتصر الذي سيكون مستحيلاً هزْم بلاده في ساحة المعركة، على حدّ قوله. وهو إذ وجّه بهذا رسائل تطمين إلى الداخل، حذّر الغرب من مغبّة مواصلة نهجه القاضي، في نهايته، بإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، عبر تضخيم الـ«روسوفوبيا»، معلناً في الموازاة تعليق مشاركة بلاده في معاهدة «ستارت»، وجاهزية قوات الردع النووي بأحدث الأنظمة
موسكو | ظَهر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خطابه الطويل الذي ألقاه أمس أمام الجمعية الفيدرالية، واثقاً من «انتصار» بلاده في الحرب المستعرة على الأراضي الأوكرانية، إذ «من المستحيل»، وفق ما قال، «هزيمة روسيا في ساحة المعركة». ولعلّه بهذا الإصرار، أراد تطمين الروس إلى مَيْل كفّة الحرب لمصلحة موسكو، وتوازياً توجيه رسالة إلى مَن يعنيهم الأمر في الغرب مفادها: «لا تراهنوا على تعب روسيا وسحْقها في أوكرانيا». قدّم بوتين، في خطابه الذي امتدّ على ساعتَين، وجاء «في ظلّ تغييرات جذريّة وأحداث تاريخيّة ستحدّد مستقبل وطننا وشعبنا»، شرحاً مستفيضاً لكلّ النقاط التي تثير اهتمام الداخل والخارج معاً، مفنّداً وضْع بلاده بعد عام على بدء الحرب، على المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهو إذ بدأ خطابه مستعيداً التطوّرات التي دفعت روسيا إلى الانخراط في الحرب، أشار إلى أن «وعود القادة الغربيين وخطاباتهم، كانت مجرّد ذرائع لكسْب الوقت لإعداد أوكرانيا للمواجهة»، ذلك أن «الدول الغربية درّبت ضبّاطاً من الكتائب الأوكرانية وزوّدتهم بالسلاح، قبل بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة»، فيما كانت كييف، بحسبه أيضاً، تتفاوض مع الغرب في شأن توريد الأسلحة. و«حينما كانت روسيا صادقة في شأن اتفاقات مينسك»، كان الغرب يقوم بما سمّاه بوتين «مسرحية ديبلوماسية»، مضيفاً أن بلاده كانت «منفتحة على الحوار البنّاء مع الغرب، وعرضت العمل على نظام أمني مشترك لسنوات عدة».
وفي رسالته إلى الشعب الأوكراني، أكد بوتين أن «روسيا ليست في حالة حرب مع شعب أوكرانيا، الذي أصبح رهينة لنظام كييف وأسياده في الغرب، الذين احتلّوا هذا البلد بالفعل سياسيّاً وعسكريّاً واقتصاديّاً»، لافتاً إلى أنه انطلاقاً من أوكرانيا، بدأوا يضخّمون الـ«روسوفوبيا»، في سياق مسعاهم لتدمير الأراضي التاريخية لروسيا. ومن هنا، بيّن مجدّداً أن هدف العملية العسكرية، «حماية الناس في أراضينا التاريخية، وضمان أمن بلدنا، وإزالة التهديد الآتي من نظام النازيين الجدد الذي ظهر في أوكرانيا بعد انقلاب عام 2014»، متّهماً الغرب بأنه هو «مَن بدأ الحرب، ونحن حاولنا ونحاول إيقافها». وشدّد، في هذا الإطار، على «(أننا) ندافع عن وطننا، فيما هدف الغرب هو السلطة غير المحدودة»، مضيفاً: «نحن ندافع بقوّة ليس فقط عن مصالحنا، ولكن أيضاً عن موقفنا، في العالم الحديث يجب أن لا يكون هناك تقسيم لِمَا يسمّى بالدول المتحضّرة وكل البقية، والمطلوب هو شراكة نزيهة، ومن حيث المبدأ إلغاء الحصريّة ومنها العدوانية».
أعلن بوتين تعليق مشاركة روسيا في معاهدة الحدّ من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية «ستارت»
وأشار بوتين إلى أن بلاده كانت تعلم بأن «الخطوة التالية بعد دونباس، هي الهجوم على القرم»، متّهماً الغرب بأنه يَستخدم أوكرانيا باعتبارها ساحة حرب، وبأن هناك دفقاً لأموال الحرب لا ينضب، متابعاً أن «الغرب أضاع حوالى 150 مليار دولار لتسليح أوكرانيا. لقد منح الغرب، خلال عام 2020، الدول الفقيرة 60 مليار دولار. قارنوا الأرقام!». وحذر من أنه «كلّما زاد مدى بُعد أنظمة الأسلحة الغربية التي ستقدّم إلى أوكرانيا، سنضطرّ لإبعاد التهديد بعيداً من حدودنا. وهذا أمر طبيعي»، مشدّداً على أن تنفيذ أهداف العملية العسكرية سيكون «خطوة بخطوة، وبثبات وعناية». وعن أهداف الغرب، قال الرئيس الروسي إن «نُخبه لا تخفي هدفها، وهو إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا»، مضيفاً: «ماذا يعني هذا بالنسبة إلينا؟ إنه يعني وضع حدّ نهائي لنا، أي أنهم يعتزمون نقل الصراع المحلّي إلى مرحلة مواجهة عالمية، هذه هي الطريقة التي نفهم فيها الموقف، وسنردّ وفقاً لذلك، لأنه في هذه الحالة نحن نتحدّث بالفعل عن مصير روسيا». وخاطب الغرب بأنه «لا يستطيع إلّا أن يدرك أنه من المستحيل هزيمة روسيا في ساحة المعركة».
وفي الموازاة، فاجأ بوتين، العالم، بإعلانه تعليق مشاركة بلاده في معاهدة الحدّ من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية، «ستارت»، الموقّعة بينها وبين الولايات المتحدة، مبرّراً الانسحاب بالقول إن «روسيا غير منسحبة من المعاهدة، وسنأخذ في الاعتبار الترسانة الاستراتيجية لدول مثل فرنسا وبريطانيا، أي القدرة الهجومية المشتركة لتحالف (شمال الأطلسي)». وكشف بوتين أنه في بداية شباط، «طالب الناتو بالعودة إلى معاهدة «ستارت»، بما في ذلك إتاحة الفرصة للإشراف على قوات الردع النووية الروسية… إنه مسرح العبث بعينه»، مضيفاً «(أننا) طلبنا الإشراف المقابل، لكن لم يتم الردّ على طلبنا، أو تمّ تجاهله»، ذلك أن «الناتو» يريد «إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، وبعدها يريد أن يشرف على منشآتنا النووية». ولفت، في هذا السياق، إلى أن واشنطن تفكّر في إجراء اختبار للأسلحة النووية، و«هذا الأمر بات معلوماً، وبناءً عليه، يجب أن تكون وزارة الدفاع وروساتوم على استعداد لاختبار الأسلحة النووية في حال قامت الولايات المتحدة بذلك أولاً». وأضاف أن «مستوى تجهيز قوات الردع النووي الروسية بأحدث الأنظمة، بلغ 93%، ويجب أن نصل إلى نفس المستوى في جميع مكوّنات قواتنا».
وفي ما يتّصل بالملفّات الأخرى، أكد بوتين أنه «تبيّن أن الاقتصاد الروسي ونظام الحكم أقوى بكثير ممّا كان يَعتقد الغرب عند فرضه العقوبات ضدّنا»، موضحاً أنه «بفضل العمل المشترك للحكومة والبرلمان وبنك روسيا والأقاليم وبالطبع مجتمع الأعمال والنقابات العمّالية، سيطرنا على الوضع الاقتصادي». وأشار إلى أن «التضخّم في روسيا وصل إلى النسبة المستهدَفة (حوالى 4%)، وهو أفضل من بعض الدول الأوروبية»، لافتاً إلى أن «حصّة الروبل الروسي في التسويات الدولية تضاعفت مقارنة بشهر كانون الأول 2021 وبلغت الثلث». ولم يغفل بوتين الإشارة أيضاً إلى الملفّات السياسية الداخلية، مبيّناً أن «الانتخابات الإقليمية ستجرى في أيلول المقبل، وانتخابات الرئاسة في عام 2024، وفقاً للجداول المحدَّدة والمعلَنة».