
يتفادى رئيسُ تيار المردة سليمان فرنجية حرقَ المراحلِ أو المراكبِ في معركته الرئاسية التي يخوضها بأعصابٍ باردةٍ وهادئة، فلا أوهامَ ورديةً مبالغٌ فيها ولا استسلامَ للصعوباتِ التي تُحيطُ مشواره، تِبعًا لانطباعاتِ متتبعي مساره.
بهذا المعنى، يتعاطى فرنجية بواقعيةٍ مع الاستحقاقِ الرئاسيّ، واضعًا إياه في سياقِه الموضوعيِّ الذي قد يخدمُ مصلحتَه حينًا وقد يضرُّها حينًا آخر. يحاولُ الرجلُ في “الوقت المستقطع” أن يؤدي ما عليه لجهةِ طمأنةِ الخصومِ القلقين منه، وتعزيزَ التنسيق مع الحلفاء المتحمسين له، تاركًا الباقي للأقدار السياسية.
وعلِم أنَّ فرنجية التقى بعيدًا عن الأضواءِ الرئيس سعد الحريري خلالَ وجوده في بيروت لإحياءِ ذكرى 14 شباط. وكان اللَّافتُ أنَّ المكتبَ الإعلاميَّ للحريري لم يُدرجِ اللقاءَ مع فرنجية في البيانِ المتعلقِ بنشاطِ رئيس تيار المستقبل واستقبالاته.
ويبدو فرنجية جاهزًا للتعامل مع كلِّ الاحتمالاتِ من دون عُقَدٍ أو تعقيدات. إن وصلَ، فهو يعرفُ ماذا سيفعلُ بدءًا من اليوم الأول لإقامته في قصرِ بعبدا، وفريقُه يحضرُ رؤيةً متكاملةً لسبلِ إخراج لبنان من النفق، كما يَكشفُ المطَّلعون.
أكثر من ذلك، يؤكدُ المواكبون لفرنجية في مرحلةِ “المخاضِ الرئاسيِّ” أنه واثقٌ في قدرتِه على إحداثِ فارقٍ إيجابيٍّ بعد شهرٍ واحدٍ من استلامِه الحُكم، إن حملته التقاطعاتُ الداخليةُ والخارجيةُ إلى بعبدا، وهو يَعتبرُ أنَّ وصفةَ نجاحِ رئيسِ الجمهوريةِ سهلةٌ وتَكمنُ في التفاهمِ بين الرؤساء وتشكيل حكومةٍ منسجمة، الأمرُ الذي من شأنِه أن يُحققَ انتظامَ الدولةِ والتعاونَ بين مؤسساتِها.
وهناك بين القريبين من فرنجية من يتوقعُ أن يدعوَ فرنجية اللبنانيين، إذا تمَّ انتخابُه، إلى إجراءِ جردةِ حسابٍ دوريةٍ لعهدِه ليعرفوا ماذا حقَّقَ وما الذي يخططُ لتحقيقِه.
أمّا إن لم يَصلْ، فإنَّ المواكبين لفرنجية يجزمون بأنَّه لن يُحبَطَ، ولن تكون نهايةَ العالمِ بالنسبة إليه، وهو الذي سبقَ له أن اختبرَ باللحمِ الحيِّ كيف أنَّ الرئاسةَ آلت إلى غيرِه في المرةِ السابقةِ على رغم أنَّه كانت لديه بالورقةِ والقلمِ أكثريةٌ نيابيةٌ إلى جانبه.
آنذاك، غلّبَ فرنجية الحساباتِ الاستراتيجيةَ على عواطفِه الشخصية، فتفهَّمَ موقفَ حزبِ الله الذي أصرَّ على الاستمرارِ في دعم العماد ميشال عون، بل وأكثرَ من ذلك ،وضعَ فرنجية لاحقًا انتخابَ عون في خانةِ فوزِ الخطِّ المشترك الذي يضمُّهمها، على رغم التنافسِِ الرئاسيِّ الحادِّ الذي كان سائدًا بينهما.
وهنا، يشعرُ فرنجية أنَّ عون أضاعَ فرصةً لملاقاةِ اليدِ التي مدَّها نحوه حينها، وأنه لو التقطَ اللحظةَ لكانت العلاقةُ بينهما قد اتخذت مسارًا مختلفًا خلال العهد.
ويُلفتُ العارفون إلى أنَّ رئيسَ المردة يتعاطى ببراغماتيةٍ مع الوقائعِ التي تصنعُ اسمَ رئيسِ الجمهورية، وهو يدركُ جيدًا أن ديناميةَ الطرفِ السياسيِّ هي التي سترجِّحُ في الوقت المناسب كفَّةً على أخرى حتى الآن لم تتطور تلك الديناميةُ إلى الحدِّ الذي يسمحُ لها بتوليدِ طاقةٍ رئاسية، في انتظار ما ستؤول إليه تطوراتُ المنطقةِ من جهة، والهندسةُ السياسيةُ للاصطفافاتِ المحليةِ من جهةٍ أخرى.
ولعلَّ الإشاراتِ الايجابيةَ التي أطلقها أخيرًا وزيرُ الخارحيةِ السعودية فيصل بن فرحان حيالَ سوريا قد تمهدُ لأرضيةٍ مؤاتيةٍ أمامَ فرنجية، وفقَ بعض القراءاتِ التي تفترضُ أنَّ أيَّ تقاربٍ سوريٍّ – سعوديٍّ، أو إيرانيٍّ – سعوديٍّ ،أو إيرانيٍّ – أميركيٍّ من شأنه أن يصبَّ في مصلحةِ تعزيزِ أسهمِ فرنجية، بينما تميلُ قراءاتٌ أخرى إلى الاستنتاجِ بأنَّ معرفةَ هويةِ المرشحِ الذي سيستفيدُ من أيِّ مُقاصَّة ٍاقليميةٍ أو دوليةٍ للملفات، إنما تتوقفُ على تحديدِ فحوى المقايضةِ المحتملةِ بين اللاعبين الكبار، ومن سيأخذُ أو سيعطي في هذه الساحةِ وتلك.
وربطًا بمحاولةِ استرضاءِ الخارج، يروي المطلعون أنَّ بعضَ الشخصياتِ اللبنانيةِ تلجأُ في الداخل وفي العواصمِ المؤثرةِ إلى التحريضِ على الآخر، ضمنَ إطارِ تصفيةِ الحساباتِ الشخصيةِ والرئاسية، كاشفةً أنَّ سفراءَ عديدين لدى بيروت لا يسمعون من زوارِهم سوى النميمةَ على خصومِهم.
عماد مرمل