قال، رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي خلال إفطار دار الايتام الإسلامية، أيها الاخوة الاعزاء
في هذا الجو الرمضاني العابق بالإيمان والتقوى، يسعدني ان أشارككم في افطار مؤسسات الرعاية الاجتماعية- دار الايتام الاسلامية، مستذكراً وشاكرا المؤسسين ومن تعاقبوا على الاشراف عليها ومن عملوا على نهضتها، ومن يتابعون شؤونها حاليا.
في شهر الخير، والرحمة والمغفرة،لنتذكر ونعمل بقول الله سبحانه وتعالى: بِسْم الله الرحمن الرحيم، كُنتُم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر. صدق الله العظيم. والمعروف إصطلاحاً هو كُلُّ فعلٍ حسن بنظر العقل، أما المنكر فهو كُلُّ قبيح بنظر العقل .المعروف يقوم على حماية الناس، والمنكر يقوم على دفعهم للتهلكة.
المعروف يقوم على الدعوة للوحدة والتعاضد والمنكر يقوم على دعوات الفرقة والتشرذم.المعروف يقوم على الإتفاق على ما ينفع الناس، والمنكر يقوم على استعمال الناس وقوداً لمعارك الآخرين ودفعهم الى هاوية الحروب والخلافات العبثية. اللهم نعوذ بك من أهل المنكر وإجعلنا بفضلك من أهل المعروف
يأتي لقاؤنا اليوم في خصم أزمة خطيرة يشهدها وطننا على كل المستويات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولعل ما يقلق أكثر هو الخطاب الطائفي المتفلّت الذي شهدنا أحد أبشع مظاهره في ما جرى قبل أيام، وكأن البعض لم يتعظ مما مر بوطننا، او عاد اليه الحنين لحقبات الانقسام الاليم.
أعرف مدى الحزن والالم الذي يعتصر قلوبكم مما جرى، ومن ردود الفعل التي صدرت عن إخوان لنا في المواطنة على قرار لم يشكل في جوهره اساءة لاحد ولم يستلزم كل هذا التجييش الطائفي البغيض.
وإننا اذ نقدر الكثير من الاصوات الحكيمة التي عبّرت عن رفضها وادانتها للتجييش البغيض، فاننا ندعو المرجعيات المعنية الى معالجة ذيول ما حصل ورأب الصدع.
ولاكون صريحا معكم أكثر، أقول ادرك تماما عتبكم الضمني على ما جرى واستيعابنا بصدرنا ما حصل، ولكن كونوا على ثقة، بأن ما قمنا به جنّب وطننا مخاطر دفع اليها اصحاب السلوك الفتنوي الذي جرّ ويجّر الويلات على الوطن.
إنّ هذه الثوابت الراسخة في رؤيتنا السياسية،التي تدفعنا الى المعالجة بحكمة، لم تجعلنا يوماً نساوم أو نتنازل عن حضور ودور وحقوق المكوّن الأساسي الذي نُمثّل، وهذا ليس من باب الطروحات المذهبية، لكن لبنان محكوم بالتوافقية الطائفية.
وحين يتحدّث الجميع عن حقوق الطوائف لا يمكن إلاّ أن نحمي حقوق السُنّة في لبنان كمكوّن أساس وتعزيز وجودهم ليقوموا بدورهم الوطني في الدفاع عن وحدة البلاد والتمسك بالمصلحة الوطنية الكبرى.
وأكبر إساءة تُوجّه الى السُنّة هي في تحويلهم الى مذهب في مواجهة مذاهب أخرى، فيما هم في الواقع أبناء دولة، ملتزمون خيارها، الدولة الحاضنة للجميع والعادلة مع الجميع.
عندما قبلت تولي رئاسة الحكومة، كنت ادرك تمام الادراك حجم المخاطر والتحديات التي ستواجه مهمتي، ولكنني راهنت على أن الارادة الوطنية الجامعة ستدفع الجميع الى التعاون معنا لتمرير هذه المرحلة الصعبة والبدء بالمعالجات المطلوبة.
وعلى هذا الاساس سيّرنا امور الدولة بأقل كلفة ممكنة وأجرينا انتخابات نيابية ووقعنا اتفاقا اوليا مع صندوق النقد الدولي وانجزنا مشاريع القوانين الاصلاحية ذات الصلة والتي باتت في عهدة مجلس النواب.
ولكن يبدو أن البعض، يريد الهروب من مسؤوليته عن عدم اجراء الانتخابات الرئاسية واقرار القوانين المطلوبة، بتحميلنا المسؤولية عما ارتكبته السياسات العقيمة على مدى كل السنوات الماضية.
ولكن ليكن معلوما أننا لن نلين أو نستكين أمام طغيان أحد أو افتراء أحد. والحملات الإعلامية والاساءات الشخصية المنظمة والمستمرة لن تنجح في تحميلنا مسؤولية جهنم التي وعدونا بها او في إحباطنا.
لقد بقيت متمسكاً بمسؤوليتي شعوراً مني بان التخلي عنها سيقضي على ما تبقَّى من مقومات الدولة والكيان وقدرة صمود لدى الشعب.
وللذين يطيب لهم انتظار تطورات تأتي من الخارج، فراحوا يملأون الوقت الضائع بالتنصل من التبعات بتوجيهها إلي، أقول:
أنا لا أتحدث بلغة المرارة ولكن بلغة صارمة مفادها، أن لكل شيء حدوداً، وأن التهتك الوطني والأخلاقي ستكون له أوخم العواقب.
يأخدون علينا الهدوء والصبر والنفس الطويل ونُعيب عليكم قصر النظر وضيق أفق الرؤية .
يأخذون علينا خطابنا المتوازن المعتدل وتمسكنا بالحقوق بصلابة دون ضجيج، ونحن مستمرون على هذا النهج، وبالخطاب المقرون بالفعل.
لا نرفع السقوف ولا نلين بقول الحق.
يأخدون علينا العطاء من دون ضجة وخدمة الناس سراً أكثر من العلانية، ونقول لهم عطاؤنا لله وهو يُجزي عليه، وخدمة الناس عبادة فخيركم خيركم لأهله.
يغطون على فشلهم وخلافاتهم وقلة الكفاءة وانعدام الإحساس بالمسؤولية، وعلى عبثهم بمقدرات البلاد والمواعيد الدستورية وخرق القوانين،وهو نهج دأبوا عليه منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بالتصويب على رؤساء الحكومات السابقين ورئاسة الحكومة وما تبقى من هذه الحكومة الموقتة، وتحميلها وزر ما جنت أياديهم.
عندما قلت أن صبري بدأ ينفد كنت اشير بصراحة واحذر من أن البلد نفد مخزونه وبدأ يفقد قدرته على المقاومة والنهوض.
عندنا قلت اللهم أنني بلّغت ، كنت أحذر من الخطر الداهم الذي فاق قدرة اللبنانيين على الصبر والتحمّل.
حكومتنا تقوم بتسيير الاعمال وتصريفها ضمن الحدود الدنيا المتاحة دستوريا، وتقوم بدور الحافظ للكيان والمؤسسات، ولكن تمادي القوى السياسية في إهمال واجباتها الدستورية ، يضع البلد أمام خطر الانحلال الكامل، وهو أمر لن نقبل بتحميلنا مسؤوليته نيابة عن الاخرين.
إن الحل يبدأ اولا باعادة انتظام العمل الدستوري وانتخاب رئيس الجمهورية واقرار سلسلة التعيينات في المؤسسات الاساسية والحساسة للحفاظ على الحد الادنى من الاستقرار واقرار الاصلاحات المطلوبة.
لقد عقدنا العزم على مواصلة تحمل المسؤولية لاننا على قناعة بأن هذا الامر يحمي وطننا، ولكننا لن نقبل أن نكون انتحاريين أو ضحية مكائد الاشرار عديمي الضمير والمسؤولية.
ولنا في قوله تعالى”بسم الله الرحمن الرحيم .ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ۚ إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار”.صدق الله العظيم.خير عضد وسند حمى الله لبنان.