أخبار دولية وإقليمية

ماذا جرى في واشنطن؟ وهل لا يزال البلد بين “رقصة الموت” والخيارات الإنقاذية؟

 

 

يغيب لبنان عن طاولة القرار الدولي، في مرحلة يعاد فيها رسم معالم المنطقة، على وقع التقارب السعودي – الايراني. ويبدو المسؤولون اللبنانيون مع هذه المتغيّرات في مكان مختلف عن بوصلة المجتمع الدولي وانعكاسات حركته الشرق أوسطية ومدى تأثّر لبنان وسوريا بها، بينما الوقائع تشير الى أن الأولوية تبقى لليمن.

 

 

ومن هذا الباب، لم تمرّ زيارة رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان للعاصمة الأميركية #واشنطن مرور الكرام. إذ بدا أنه وفي غضون أيام قليلة، تنقّل ضيف صندوق النقد والبنك الدولي بين مراكز القرار الدولي والأميركي السياسي والمالي، والتي شملت، اضافة الى صندوق النقد والبنك الدولي، البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والخزانة، مستمعاً وشارحاً تفاصيل ملفات أعدّها وعمل عليها برلمانياً ورقابياً، خارجاً بانطباعات واضحة عن الموقف الأميركي من واقع المنطقة ولبنان في المرحلة المقبلة.

 

ولكن ما يقلق بحسب مصادر متابعة للقاءات الأميركية “أن لبنان غائب في الوقت الذي يعاد رسم توازنات المنطقة ومواقع القوة فيها من خلال تسويات اقليمية ودولية”.

 

وفي هذا الإطار، تفيد المصادر المقربة من رئيس لجنة المال والموازنة، أنه ذكّر في قراءته ونقاشاته بتاريخين: العام 2018 والعام 1990. ففي مؤتمر هلسنكي بين بوتين وترامب في تموز من العام 2018، اتخذ القرار بانسحاب ايران من سوريا و”ضبضبة” المعارضة الاسلامية لنظام بشار الأسد وإعادة تعويمه في سوريا. وقد أورد جون بولتون، الذي كان حاضراً المؤتمر بصفته مستشاراً للأمن القومي في حينه، في كتابه أن “الروس اعتبروا أن سحب ايران من سوريا لا يلغي وجودها وتأثيرها كونها موجودة في بيروت”.

 

وتسوية اليوم السعودية – الايرانية بمباركة غربية وصينية، تعيد الى الذاكرة تسوية العام 1990، والتي لم يكن لبنان حاضرا حينها، وقد أعطت اليد الطولى بنتيجتها لسوريا لمرحلة استمرت 15 عاماً، مع ما حملت من معادلات سياسية واقتصادية ومالية لا زالت تداعياتها موجودة على أكثر من صعيد.

 

لذلك، تتابع المصادر، إذا لم يكن من الضروري طرح السؤال مجدداً “هل ستأتي التسوية اليوم بغياب الحضور اللبناني والقيادة اللبنانية الجديدة على حساب لبنان؟… وتكون “الثالثة ثابتة” كونه يعيش صراعاً وجودياً بعد الإنهيارات المتتالية التي مُني بها مالياً واقتصادياً واجتماعياً وحتى سياسياً، من خلال دخول المؤسسات اللبنانية بمرحلة التحلل؟”.

 

وهل التركيز اليوم على صراع سلطوي هو الحل بين أضداد واحزاب متناحرة تحت عناوين نظرية لا تأثير لها على المعادلة الخارجية، كونها لا تشكل مصلحة او حاجة، لأي من الدول الكبرى لتؤخذ في الاعتبار ويؤخذ لبنان في الحسبان؟ وهل تكون هذه الصراعات السلطوية في حال استمرارها باب حل ام باب دمار وفناء؟

 

 

بين السياسة والاقتصاد

لا شك في أن الملفين المالي والاقتصادي والحلول المطروحة فيهما يتصلان عضوياً بالمسار السياسي ونتيجته. فمن خلال النتيجة يستعيد لبنان الثقة والكفاءة والمؤهلات لقيادة خروجه من النفق المظلم، او يبقى في حال المراوحة والتراجع.

 

من هنا، يبرز السؤال الآتي: هل يتعظ من يجب أن يتعظ من أحزاب وقوى سياسية ام يستمرون في رقصة الموت التي يمارسونها باتقان؟

 

فما يُسمع من مختلف أركان الإدارة الأميركية مالياً وسياسياً، يصبّ في خانة ضرورة أن يساعد اللبنانيون أنفسهم ليساعدهم المجتمع الدولي، وذلك من خلال تكوين القيادة السياسية الجديدة ورؤيتها للمرحلة المقبلة والتزامها بمسار معين، ليحجز لبنان لنفسه مكاناً ضمن ما يرسم في المنطقة، وتقدّم له المساعدة.

 

أما مسألة الالتزام بالاصلاحات المالية، فيجب ألّا تكون بشكل “التزامات” متناقضة بين القوى السياسية اللبنانية في ما بينها وبين المؤسسات الدستورية في لبنان، بل يجب أن تكون وفق رؤية متكاملة مشتركة لتتمكن من صنع البرنامج المطلوب الذي يأخذ في الاعتبار مصلحة لبنان واللبنانيين. من هنا، تبرز ضرورة انجاز البرنامج مع صندوق النقد وفقاً لخريطة طريق تشكّل المدماك الأساس في عملية عودة لبنان الى المعادلة الدولية مالياً.

 

في موازاة ذلك، تبرز العلاقة مع دول الخليج، والتي شكّلت بدورها محوراً أساسياً في النقاشات التي دارت في واشنطن. وهذا الملف بذاته، يستدعي ما يستدعيه من مبادرات وسياسات مختلفة عن تلك التي تحكّمت بالمسار اللبناني في المرحلة السابقة، لأن من يتواصلون مع القيادة السعودية أو يلتقون مسؤوليها، يلمسون حالاً من اليأس وعدم الاكتراث بالوضع اللبناني. وهو ما يؤثر على علاقة لبنان بدول الخليج، وعلى قدرته على إعادة جذب الاستثمارات والثقة والمساعدات المطلوبة “لتقليعة” جديدة تتكامل مع الإصلاحات المالية المطروحة محلياً ودولياً.

 

بناء عليه، لا يبدو هذا العامل سهلاً وحساباته كحسابات العوامل الأخرى التي جرى الحديث عنها في واشنطن، ويفترض أن تكون أساسية في عملية انتاج قيادة جديدة للبنان وفق معيار الخروج بحل يريح اللبنانيين ولبنان في المرحلة المقبلة، او البقاء في ظل المعادلة نفسها ومسلسل الاهتراء الذي نحن فيه.

 

كل هذه العناوين والملفات، تحتاج الى مقاربة موضوعية وجريئة بعيداً من ضجيج الخيارات الشخصية والفيتوات السخيفة، لأن الاستمرار بهذا النهج يؤدي الى ضياع فرصة قد تكون الأخيرة للانقاذ الفعلي للبنان. فالصراع ليس بين شخص وآخر أو طرف وطرف، بل يجب أن يكون بين الحل واللاحل، بين كسر الحلقة المفرغة أو الاستمرار في الدوامة الهدّامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى