بمناسبة عيد العمال توجّه المطران إبراهيم مخايل إبراهيم بكلمة معايدة لكل عمال لبنان ولكل عمال الأبرشية قائلا: في عيد العمال أود أن أذكَركم أيها الأحباء أن الله الذي ترفعه الملائكة وتمجده يعمل. الضابط الكل يجبل. خالق السماء والارض يغرس. نعم، فالله ومنذ بدء الخليقة يعمل ويقدس العمل. بدأ الخلق بعمله، كما نقرأ في سفر التكوين، فصنع السماوات والأرض وعمل الجلد والنورين العظيمين ووحوش الأرض. وجبل الرب الإله آدم ترابا من الأرض وغرس الرب الإله جنة في عدن إنه الإله الذي يعمل. إله العمل جَبَلَ وغرس بيديه ليعلمنا ان العمل هو مقدس ويزيدنا كبراً ويرفعنا الى مقامه، مقام السيادة. إلهُ العمل صار هو النَّجَّار ابْن مَرْيَمَ، (مرقس 6 :3) القائل “كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ».” (مت 20: 28). وكما جاء في سفر الجامعة “أَنْ يَأْكُلَ كُلُّ إِنْسَانٍ وَيَشْرَبَ وَيَرَى خَيْرًا مِنْ كُلِّ تَعَبِهِ، فَهُوَ عَطِيَّةُ ٱللهِ.” (اَلْجَامِعَةِ ٣:١٢-١٣)
العمل أيها الأحباء هو عطية من الله، يشعر معها الانسان بعظمته عندما يقوم بأعمال مفيدة مهما كانت بسيطة، فهي قمة في العطاء تمنحه الفرح والرضى. هذه هي عظمة العمل وقدسيته، إذ نرى أن الانسان يتقدس بعمله ويصبح سيداً على مثال السيد، مجعولا للخدمة والعمل وللمجد والتأله. مع بولس الرسول أقول لكم أيها العمال: كُلُّ مَا فَعَلْتُمْ، فَٱعْمَلُوا مِنَ ٱلْقَلْبِ، كَمَا لِلرَّبِّ لَيْسَ لِلنَّاسِ، عَالِمِينَ أَنَّكُمْ مِنَ ٱلرَّبِّ سَتَأْخُذُونَ جَزَاءَ ٱلْمِيرَاثِ، لِأَنَّكُمْ تَخْدِمُونَ ٱلرَّبَّ ٱلْمَسِيحَ. (كُولُوسِّي ٣:٢٣-٢٤ )
أيها العمال، خصوصا أنتم يا عمال أبرشيتنا المحروسة من الله وكل مؤسساتها، لكم أقول إن كل عمل تقومون به بمحبة وأمانة هو قدّاس بعين الله، فكونوا امناء في عملكم واتقنوه وأدوه بفرح وقدموه بواكير للرب. هكذا يصير عملكم نبعأ للعطاء ومصدراً للفرح والتضحية والحب. اعملوا بطاعة الحكمة ومخافة الله وقولوا “لا”، قطعية، لأوامر الظلم والتعسف. ارفضوا كل طلب يعارض كرامة الإنسان من أي شخص أتاكم ولا ترتضوا بما ترونه استغلالا من أي نوع كان. فالظلم والتسلط منبوذان من الكنيسة، ولا مكان لهم في المسيحية أصلا، ومرفوضان في أبرشيتنا التي أنتم أسيادها.
تابع المطران إبراهيم، لأرباب العمل في لبنان أقول: كفّوا عن هذه التسمية اللعينة، فلا رب إلا الله وحده. عاملوا عمالكم بالعدل والحق، أعطوا العامل اجرته لأَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ: «لاَ تَكُمَّ ثَوْرًا دَارِسًا»، وَ«الْفَاعِلُ مُسْتَحِقٌ أُجْرَتَهُ».” (1 تي 5: 18). يجب ألا تحولوا عمّالكم إلى جماعة من المنسيين والمهمشين والمظلومين. طبقوا القوانين ولا سيما قانون العمل واعطوا العمال حقوقهم.
أما لمسؤولينا في الوطن فأقول: لا تحوّلوا القطاع العام إلى قطاع العمل بالسخرة. قمة الظلم ان تسلبوا الناس ودائعهم بدلا من أن توفوهم تعبهم وجنى أعمارهم. اعطوا كل ذي حق حقه ولا تمنعوا عن الموظفين أتعاب عملهم، فبتصرفكم هذا تدفعونهم للفساد والاختلاس والرشوة. لا تحولوهم إلى السرقة بسبب الفاقة التي فرضتموها عليهم. كما أدعوكم، يا مسؤولي بلادي، ألاَ تغسلوا أيديكم من القطاع الخاص وتعاملوه كجسم غريب عنكم، بل أعطوا العاملين في القطاع الخاص حقوقهم وقوموا بواجباتكم في إقرار القوانين الضرورية لحماية حقوقهم ومساندتهم ومساعدتهم ليتمكنوا من العيش بوفرة وكرامة.
في الختام، قال سيادته، أعايد كل العمال في وطننا الحبيب لبنان وأردد لهم ما قاله الكبير جبران خليل جبران: “إن الكسول غريب عن فصول الأرض وهائم لا يسير في موكب الحياة… قد طالما أخبرتم أن العمل لعنة والشغل نكبة ومصيبة أما أنا فأقول لكم إنكم بالعمل تحققون جزءاّ من حلم الأرض البعيد… فإذا واظبتم على العمل النافع تفتحون قلوبكم بالحقيقة لمحبة الحياة لأن من أحب الحياة بالعمل النافع تفتح له الحياة أعماقها وتدنيه من أبعد الأسرار.”
عشتم أيها العمال وعاش لبنان.