ترتفع حماوة الاهتمام بملف حاكمية مصرف لبنان، عشية جلسة الاستماع لحاكم المصرف رياض سلامة أمام القضاء الفرنسي في 16 الجاري. ويقول مطلعون إن الحاكم لم يقرّر بعد ما إذا كان سيتوجه إلى باريس، وأن لا ثقة له بالتحقيقات الجارية في بيروت أو فرنسا، فيما ترددت معلومات عن درس حلفائه، في السياسة والقضاء، اللجوء إلى خيارات لتعطيل مهمة القاضية الفرنسية أود بوروزي.
وأوضح مصدر مطلع لـ«الأخبار» أن هؤلاء يناقشون سيناريوهات عدة، أبرزها محاولة توفير ذريعة لعدم مثول سلامة أمام القاضية في الموعد المحدد، وبما يمنعها في الوقت نفسه من اتخاذ أي خطوة إجرائية ضده. وأشار إلى أن فريق الدفاع عن سلامة درس الخيارات المتاحة في حال مثوله، ومنها أن يخضع للإجراء نفسه الذي خضع له المدير العام لبنك الموارد مروان خير الدين، بأن تصدر القاضية قراراً بحجز جواز سفره ومنعه من السفر لمدة معينة، يصار خلالها إلى التحقيق معه وممارسة ضغوط عليه لقول ما لا يريد قوله. وهذا الخيار قد ينتهي بالسماح له بمغادرة فرنسا قبل إعلان القاضية الفرنسية قرارها. غير أن الخيار الآخر الذي يدرسه فريق سلامة يتمثّل في احتمال توجيه القاضية اتهاماً مباشراً لسلامة، وإصدار مذكرة توقيف وجاهية بحقه، وإحالة الملف والأدلة إلى هيئة قضائية فرنسية لدرسها تمهيداً لأي محاكمة. فيما قد يدفع امتناع سلامة عن المثول ببوروزي إلى ختم التحقيق وإصدار مذكرة توقيف غيابية بحقه، وتعميمها عبر الإنتربول.
وبحسب المصدر، فإن الهدف الأساسي لفريق الدفاع عن سلامة، المؤلف من سياسيين ومراجع كبيرة في بيروت ومن الفريق القانوني في باريس، يعمل لتأخير إجراء القاضية الفرنسية كسباً لمزيد من الوقت. ولتحقيق ذلك، يجري درس اختلاق «ذريعة ذات طابع قانوني» تمنع سلامة من السفر، مثل اعتبار قرار القاضية غادة عون إزالة قرار منع السفر غير ساري المفعول لأنه لم يشمل المعابر الحدودية، وبالتالي يتم إبلاغ الجانب الفرنسي بأن الحاكم ليس ممتنعاً عن المثول والتعاون، لكن السلطات اللبنانية تمنعه من السفر، وإرفاق التبليغ بطلب تحديد موعد جديد للاستماع إليه بعد سريان قرار إزالة منع السفر عنه. وبحسب المصدر، فقد بلغ الأمر ببعض فريق سلامة إلى اقتراح تنفيذ مذكرة إحضاره التي أصدرتها القاضية عون، ولو بطريقة قسرية، ما يمنحه أيضاً ذريعة لعدم المثول أمام القاضية الفرنسية.
ويُعتقد على نطاق واسع بأنه في حال ثُبّت الغياب بعذر عن جلسة الاستماع، فإن سلامة لن يتبلغ بموعد أي جلسة لاحقة تحددها القاضية الفرنسية، ما يسمح له بعدم الإقرار بشرعيتها أو قانونيتها. علماً أن سلامة وفريقه يعرفون أن التغيب بعذر أو من دونه لن يوقف التحقيق، ولا يوقف صدور مذكرات غيابية بحقه.
بعد «فوري»… «أوبتيموم»
ويقول مطلعون إن التحقيقات المتوقع إجراؤها مع سلامة، في حال مثوله في باريس، ستكون مختلفة عن جلسة الاستماع التي حضرها سابقاً في بيروت أمام الوفد القضائي الأوروبي. إذ إن معطيات جديدة توافرت للقاضية الفرنسية بعدما استمعت إلى خير الدين في باريس، وإلى المدير السابق في مصرف لبنان رجا أبو عسلي (قدم استقالته من مصرف لبنان وتصبح سارية المفعول آخر السنة).
وتوضح المصادر أن هذه المعطيات تتعلق بملف جديد حول عمليات مالية «مشبوهة»، يضاف إلى ملف شركة «فوري» التي يتهم سلامة بأنه استخدمها مع شقيقه رجا وصديقته الأوكرانية آنا كوزاكوفا لاختلاس نحو 330 مليون دولار من عمولات غير مصرّح عنها مع المصارف اللبنانية. ويتعلق الملف بشركة «أوبتيموم إنفست» التي يديرها أنطوان سلامة (لا تربطه قرابة بالحاكم، وهو غير أنطوان سلامة مالك محلات «آيشتي» والذي سبق أن استفاد من قروض بعشرات ملايين الدولارات، بدعم من حاكم مصرف لبنان، وسدّدها بالليرة اللبنانية بعد الأزمة). فقد أوكلت إلى هذه الشركة أعمال كثيرة بعد توقف شركة «فوري» عن العمل، ويحيط الغموض بكثير من أعمالها.
وكان رئيس وحدة الرقابة على الأسواق المالية (تتبع لهيئة الأسواق المالية ولا علاقة لها بلجنة الرقابة على المصارف) خليل غلاييني، أصدر في حزيران 2016، تقريراً أشار فيه إلى «عمليات مشبوهة» قامت به الشركة، بعد التدقيق في تحويلات مشبوهة تخص بنك بيروت (صاحبه سليم صفير)، تتعلق بعمليات بيع سندات يوروبوند. وأفاد غلاييني بأنه تم التدقيق في 1589 حوالة قامت بها الشركة بقيمة إجمالية تصل إلى 8 مليارات دولار بين عامي 2010 و2015.
يشار إلى أن وحدة الرقابة نفسها أعادت فحص حوالات 12 مصرفاً في لبنان بعد الشكوك في العمليات التي تخص بنك بيروت، وتبين لها أن هناك «عمليات مشبوهة» في أكثر من مصرف، وتم سؤال المصارف المعنية عن الأمر في حينه.
وبحسب مصادر مطلعة، جرى التدقيق في علاقة الحاكم بهذه العمليات، أثناء التحقيق مع أبو عسلي الذي كان زميلاً لسلامة في شركة «ميريل لينش» خلال عملهما في باريس، قبل أن يستدعي الحاكم زميله للعمل معه في مصرف لبنان ويوكل إليه عدداً من المهام الخاصة، من بينها ما يتعلق بعمل «فوري» و«أوبتيموم». وقد ساعدت التحقيقات مع المسؤول عن التحويلات المالية في مصرف لبنان نعمان ندور في توضيح الكثير من النقاط حول دور الحاكم والأعمال التي قامت بها «أوبتيموم».