أخبار محلية

إهانة مقيتة لفقراء زحلة وضواحيها 

خاص موقع زحلة ديبايت:

نشرت مواقع التواصل الإجتماعي على صفحاتها وعلى صفحة مؤسسة خيرية صور لمواطنين في حالة العوز الشديد يأخذون ثياباً مستعملة من البالة قدمها لهم صاحب هذه المؤسسة الخيرية البقاعية . هؤلاء الاشخاص حملوا في يديهم لوحة صغيرة كتب عليها عبارات الثناء والشكر لهذا المتبرع الصغير . قد يرى أحدنا ذلك المنشور ويستحسنه من باب حرص تلك المؤسسة على كسب ثقة جمورها ،بالإضافة إلى وجود المتبرع وسخائه وعدم نسيانه في البلدات الفقيرة الأخرى .

 

تفكيرك ورؤيتك لهذا المنشور من زاوية الفقير؛ قد يعكس لك شعورك الأول ويصيبك بالامتعاض! ولكن لتخيلت نفسي وأخي مكان هؤلاء الأشخاص نتلقى تبرعًا من جهة ما، ويشترط علينا أن نتصور أمام الكاميرا لتضخيم عمل هذه المؤسسة ! كيف لو كبرنا أنا وأخي ورأينا تلك الصورة في أرشيف المؤسسة؟! أو كيف وإن ابتكرت المؤسسة وسيلة تسويق جديدة ووضعوا صورتنا -أنا وأخي- على حقائب المؤسسة وأجنداتها ولوحاتها التسويقية في الشوارع؟! لم أتحمل كل هذه التخيلات التي يأبى أي إنسان أن يكون بداخلها! وتذكرت عبارة نيلسون مانديلا: “ليس حرًّا من يُهان أمامه إنسان ولا يشعر بإهانة”.

 

 

على العاملين في المجال الخيري والإغاثي؛ التوقف عن الترويج لأنشطتهم والتسويق لحملاتهم بنشر صور المحتاجين، والتوقف عن انتهاك حق المحتاج بفضحه على وسائل التواصل الإجتماعي.

 

مع انطلاق ثورة وسائل التواصل الاجتماعي؛ شرعت كل مؤسسات العمل الإنساني بتوثيق مجهوداتها الإغاثية، واتخذت وسائل عدة في التسويق لذلك؛ هذا الأمر له أثر كبير في كسب رضا جمهورها وحفظ سمعتها وريادتها وسط المؤسسات الأخرى، ولكن يجب إحاطة الإنسانية من جميع جوانبها، ومراعاة الجانب النفسي للمستحقين قبل الجانب المادي، لما يترتب عليها من أضرار نفسية بالغة تؤثر على المستحق طيلة حياته!

 

 

 

وبعض المؤسسات تبرر تلك الوسيلة بأنهم استأذنوا المستحقين في التصوير ولم يقدموا على تلك الوسيلة إلا بإذنهم! ولنفترض أن ذلك التبرير تبريرٌ مقبولٌ؛ فهناك جوانب خفية لم تخطر على بال المستحق وقت التوثيق؛ وهي أن تلك المادة الموثقة -التي هو فيها- سوف يشاهدها مئات الآلاف من البشر على مواقع التواصل الخاصة بالمؤسسة، ومن الممكن أن تستغل من مؤسسة أخرى للدعاية للغرض نفسه! أيضًا من الممكن أن ذلك المستحق محتاج لتلك المساعدة بأي شكل للدرجة التي يرضى بأي طلب يطلبه المانح منه، سواء أكان تصويرًا أم أي خدمات أخرى؛ فيرضى وهو جاهل بعواقب تصويره هو أو تصوير أولاده! فتلك الصور إما أُخِذَت بسيف الحياء وإما بالغرر! كما أن تعويد المستحقين الراضين بتلك الفضيحة على ذلك السلوك ينزع ماء وجوههم نزعًا، ويصير التبجح والظهور في أي صورة تطلب منه مقابل وجبة أو مساعدة مالية شيئًا طبيعيًّا، وذلك ما لا نرضاه لهم أيضًا.

 

 

فقراء ما قبل اختراع الكاميرا نجوا من تلك المفضحة التي فتكت بفقراء ما بعد الاختراع! هؤلاء الفقراء كانت تنتهي دورة مساعدتهم بتسليمهم ما يحتاجون والانصراف عنهم دون توثيق أو تصوير، لم يجدوا من يسوِّق صورهم على حقائب أو لوحات أو تصميمات لحملات إغاثية! لم يجدوا من يضع صورهم على منشورات الرضا بالمقسوم، والدعوة إلى التفاؤل الصباحي! فقراء ما قبل الكاميرا لم يطلب منهم أن يقفوا وبأيديهم لوحات مكتوب عليها عبارات الثناء والشكر للمحسنين داعين لهم بالخلف والبركة.

 

من الممكن أن تنتهج تلك المؤسسات عشرات الوسائل الأخرى لتوثيق تلك المساعدات، ولطمأنة جمهور محسنيها بشكل ألطف، ولا يفضح ذلك المستحق الذي ما ارتكب ذنبًا، ولكن نصيبه من الدنيا لم يكن واسعًا! من الممكن أن تصور المؤسسة البئر المحفور الذي تبرعت به المحسنة، أو دور الأيتام أو بيوت الفقراء التي شيدها المتبرع دون ظهورهم بشكل يجرحهم أو يؤذيهم فيما بعد، من الممكن أيضًا تصوير المستحقين من زاوية بعيدة لا تظهر تفاصيل أحدهم بحيث نجمع بين التوثيق والستر للمستحق، فالأصل أن تنمي المؤسسات الإغاثية ثقافة التكافل بحفظ ماء وجه المحتاج، وأن نعزز قيمة كتمان العمل الخير .

 

فعلى العاملين في المجال الخيري والإغاثي؛ التوقف عن الترويج لأنشطتهم والتسويق لحملاتهم بنشر صور المحتاجين، والتوقف عن انتهاك حق المحتاج بفضحه على وسائل التواصل الإجتماعي، وعليهم أن يبادروا بنشر ثقافة الستر على المحتاج، وأننا كلنا معرضون للفقر والحاجة، وجميعنا لا يرضى بذلك، وعليهم تطبيق المبادئ الإنسانية بكل جوانبها وعدم اجتزائها، فكما كان احتياجه المادي دافع لكم، يجب أن يراعى أيضًا احتياجه النفسي؛ فلا نطفئ نار جوعه ونضرم أخرى في كرامته!

 

نذكر لكم في سياق حديثنا هذا وجود العديد من الشخصيات أو رجال الأعمال يقدمون الأموال لكثير من المحتاجين ويعملون في الخفاء دون هوبرة إعلامية او بروباغاندا دعائية لمشاريع وضيعة.كما ان الديانات السماوية جميعها تدعو أبنائها لمساعدة المحتاج وإغاثة الملهوف دون عراضة وتشبيح وتصوير فوتوغرافي لما يجري.

 

واخيرا نوجه رسالة إلى وزير الإعلام والمجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع لمراقبة ومحاسبة ومتابعة كل القيمين على هذه المواقع لعدم نشر هكذا أخبار تسيئ إلى المحتاجين ويجب أخذ الإجراء المناسب بحقهم .

لوريس الصدي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى